رئيس التحرير
عصام كامل

عندما ارتضينا إهانة القرآن الكريم!


في مطلع القرن الماضى، رفضَ عددٌ منْ القُرَّاء تسجيلَ القرآن الكريم على أسطواناتٍ، أو الالتحاقَ بالإذاعةِ المصريةِ، خشيةَ أنْ يُخالطَ الذّكرَ الحكيمَ ما ينالُ منْ قدسيته. وكان منْ أبرز هؤلاءِ: القارئُ الشيخُ "عبد الفتاح الشعشاعى"، الذي غيَّبهُ الموتُ قبلَ 56 عامًا، ولكنْ لا تزالُ تسجيلاتُه خالدة.


لم يلتحقْ "الشعشاعى" بالإذاعةِ إلا بعدَ الحصول على فتوى أزهريةٍ يطمئن بها قلبه، فيما امتنعَ آخرون تمامًا خوفًا على "كلام اللهِ"! ولكنْ تعاقبتْ السنونَ والعقودُ، وصولًا إلى الثورة التكنولوجية الهائلة، ولمْ تعدْ التلاواتُ القرآنية محفوظة على أسطواناتٍ قديمةٍ انتهى عصرُها، بلْ أصبحتْ أيضًا مُتاحة على موقع الفيديوهات "اليوتيوب" منذ العام 2005.

وأصبحَ منْ اليسير، في أىِّ وقتٍ، بضغطةِ زرٍ، استدعاءُ أية تلاوةٍ لمشاهير القُرَّاء، بعيدًا عنْ نمطيةِ ومَللِ ومُجاملاتِ إذاعةِ القرآن الكريم! ولكنْ ليسَ كلُّ ما يتمناهُ المرءُ يدركُه.. لماذا؟ الإجابة: لأنْ "يوتيوب" يتعاملُ بمنطقٍ تجارىٍّ بحتٍ معَ الموادِّ المعروضةِ عليه، أيًا كانتْ طبيعتُها، وهذهِ التلاواتُ القرآنية تتخللُها وتفسدُها الإعلاناتُ أيضًا.

على سبيل المثال.. قد تكونُ مُستغرقًا في الاستماع إلى واحدةٍ منْ نوادر آل "المنشاوى" أو آل "الشعشاعى" أو "عبد الباسط" أو "البنا" أو غيرهم، رحمَ اللهُ الجميعَ، فإذا بإعلان "هاللاه هاللاه على الفانلة"، أو غيره منْ الإعلاناتِ الغنائيةِ أوالإباحيةِ الهابطةِ تقتحمُ أذنيك وتفسدُ عليك مُتعة الخشوع.

إنَّ إخضاعَ التلاواتِ القرآنيةِ على "يوتيوب" لهذهِ العمليةِ التجاريةِ الفجَّةِ، يجبُ أنْ يتوقفَ فورًا، ويجبُ أنْ تتحرك الجهاتُ المعنية بحفظِ كتابِ اللهِ، وتتباحثَ منْ أجل إيجاد الضوابطِ والآلياتِ اللازمةِ لتنقية التلاوات القرآنية على موقع "يوتيوب" من فوضى تلك الإعلاناتِ، احترامًا وتقديسًا وتعظيمًا لكتابِ الله، وكفانا تفريطًا وتهاونًا بحقِّ أمورٍ لا تقبلُ جدلًا أو اختلافًا، ولو لم يتحركْ أولو الأمر لذلك، فإنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى سوفَ يخلقُ منْ أصلابِ عبادِه مَنْ يُنفذِّونَ عهدَه: "إنَّا نحنُ نزَّلنا الذكرَ وإنَّا لهُ لحافظونَ".
الجريدة الرسمية