رئيس التحرير
عصام كامل

مسرح ديني وطني.. ليلة في الملكوت النبوي


بينما سقطت معظم المسلسلات الرمضانية في ترعة الاستنطاع بعد الحلقة الخامسة عشرة، قبلها أو بعدها قليلا، وصارت الأحداث إلى رغي في رغي، يصبح الفرار من أمام الشاشة الصغيرة إلى عالم أرحب وأروع واجبا وضرورة.

 وهكذا فررت بعقلي إلى المسرح حيث الحياة والنبض والإيقاع والحيوية فلقيت قلبي، إذ اخترت أن أشاهد نصا من نصوص الإنشاد الديني عنوانه "شباب في عين الرسول"، على خشبة مسرح البالون..

وكنت شاهدت تحت خيمة المسرح ذاته "شباب فيس بوك" للمخرج المبدع عبد المنعم محمد مساعد شيخ المخرجين حسن عبد السلام رحمه الله وتلميذه الماهر، وتعرفت عليه فنانا أيام عرض مسرحيتي "نساء السعادة" على خشبة مسرح السلام بطولة وفاء عامر وأحمد وفيق، واستمر عرضها لستة أشهر!

ما علينا!

أردت القول إن البالون معني جدا بالتجارب المسرحية التي تخاطب الشباب، ولما شاهدت اللوحات الإعلانية للعرض لفت نظري أن هذا اللون، الإنشاد الديني، غاب لسنوات طويلة، قبل أن يعود ليمتعنا ويطهرنا ويغسلنا رأسا وقلبا وقدما، في هذه المسرحية الغنائية التي جمعت بين اللوحات الدرامية والفواصل الغنائية التي تعبر عن المشهد الدرامي وتجسده بكاء أو فرحا، وفي حالتي البكاء والفرح سوف تطرب روحك لا بدنك، وترقص أشواق النفس الداخلية وتنتقل بكل ما فيك من عصب ووهج ديني إلى العيش في سيرة النبي رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

وبينما تتأهب نفسيا وذهنيا لعرض يسافر بك إلى زمن الرسول وهجرته وأبي بكر وتضحيات أسماء ذات النطاقين ابنة ثاني اثنين في الغار، يفاجئك العرض بمزج متفرد بين السرد المشهدي العصري لشخوص من الكبار ومن الشباب، في البدلة وفي الجينز التي شيرت والكوتشي، هنا بالضبط تألق النجم أحمد عبد الوارث خال الشباب الحائر التائه الباحث عن اليقين الإلهي، بل واليقين الوطني.

ينقلنا أحمد عبد الوارث إلى فترات حية من حياة الرسول وسيرته العطرة بمحبة الله، فتتحول خشبة المسرح إلى سنوات الهجرة، فيحكي النجمان أحمد ماهر ومديحة حمدي، قصصا ومواقف لشبان وثق بهم الرسول ومنحهم زمام القيادة وزمام العلم والبركة، وبينما يصدح صوت ماهر ومديحة ويرتجفان تأثرا ونبلا وذوبا في الحكي والتجسيد، نعرف سر إصرار الرسول عليه صلوات ربي وسلامه على أن يقود أسامة بن زيد جيش المسلمين وفيه كبار الصحابة والقادة بينما لم يكن عمر أسامة يزيد على السابعة عشرة..

وحين تململ قادة وصحابة وامتعضوا شق ذلك على الرسول واعتبر رفض القائد الشاب الذي اختاره لملاقاة جيش الروم رفضا لأمره وخروجا على طاعته وطاعة الله!

تراجعوا وأطاعوا وانتصر أسامة على جيش الروم.

كان أحمد ماهر يروي، ومديحة تروي والمشهد أمامنا، ونبرات الصوت مع صدق أداء النجوم أحمد عزمي وإيمان إمام، وهادي خفاجة، ورضا إدريس، ونجوم فرق البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية على رأسهم الفنانة سحر عبد الله والفنانة القديرة سناء يسري والفنان سيد عبد الرحمن والفنانة لبنى الشيخ وأحمد الشريف، قد جعلت من جمهور الصالة العريض جزءا من ليلة صوفية بحق..

فقد ذرف الجمهور الدموع وابتلت الخدود ونهجت صدور وصفقت الأيدي بحرارة تحت وهج صوت من تسابيح السماء للفنان أحمد الكحلاوي الذي تألق في تلك الليلة، كأنما حلق في الملكوت مسبحا، يريد الفوز بمعراج أرضي نحو اليقين ونحو القبول الإلهي.

من أشد المشاهد الفجيعة مشهد ذبح عبد الله بن الزبير بن العوام ابن السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق، ذات النطاقين، أول مولود للمسلمين في المدينة بعد الهجرة الذي باركه النبي ودعا له، أراد عبد الله أن ينقل حجر إبراهيم فذبحه الجزار الحجاج بن يوسف الثقفي ومثل بجثته وعلق رأسه في الرمح!

وعن الدم واحترام الموتى وحقوق الحياة، تتابع أناشيد أحمد ماهر ومديحة، ومن بعدهما في انتقال للحاضر، يتدفق أحمد عبد الوارث حماسا وهو يستنهض همم الشباب الذي تعرف على سيرة نابضة قوية لشبان مثلهم آمن بهم رسول الله ولا يزال يؤمن الوطن بأقرانهم.

وتحت شمس صوت الكحلاوي الهادر توالت المشاهد حتى اكتملت في اللوحة النهائية التي هدر فيها صوت أحمد ماهر وأحمد عبد الوارث ومديحة حمدي، تدعو إلى الاقتداء والفداء وحب الوطن.

العرض غني بالبساطة والصدق واللوحات الغنائية وبأصوات المنشدين والمنشدات، تحية للنجوم ولمسرح الدولة الذي إذا أراد فعل، لكن عليه أن يضئ بقوة ما ينتجه، ليعرف الناس أن فنا رفيع المستوى ينتظرهم، أتحدث عن نقص الإعلان والدعاية، شباب في عين الرسول وشباب في عين الوطن، تلك هي القضية وهي الحل أيضا.
الجريدة الرسمية