رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كيف تُزيّف إسرائيل التاريخ؟


في الأسبوع الماضي كتبت مقالا عن استغلال جامعة تل أبيب لموقع "كورسيرا" الشهير على الإنترنت، الذي يمنح دورات أكاديمية معتمدة من جامعات عالمية، بحيث يوجد حاليا على الموقع أربع دورات لجامعة "تل أبيب"، وجميعها عن التاريخ. اليوم أود أن أسلط الضوء على المغالطات التاريخية من واقع الدورات. هذه الدورات تستخدم تقنية الفيديو كوسيلة أساسية في المحاضرات.


في المقرر الأول – أو الدورة الأولى– وهي بعنوان "ظهور الشرق الأوسط –الجزء الأول"- بدأ الدكتور "أشر سوسر" وهو من يقوم بالتدريس بتعريف الشرق الأوسط في الفترة المعاصرة. وقرر أن الشرق الأوسط بدأ مع التقسيم الاستعماري للمنطقة، وأن مفهوم الدولة الحديثة لم يكن له وجود قبل المرحلة الاستعمارية. 
أول المغالطات التاريخية هنا، أن الدكتور أشر قرر إلغاء التاريخ والاعتماد على الجغرافيا، فإسرائيل لم تكن دولة تاريخيا، لكن الشرق الأوسط كان موجودا، فكانت "الحجاز" موجودة، وعلى الغرب منها يوجد مصر.

السودان كانت موجودة على الخريطة التي كانت تضم أيضا بلاد الشام، وبغداد، والمغرب العربي، بيّد أن النسيان القسري لوجود شرق أوسط كبير، واعتبار أن نقطة الصفر تاريخيا في نشأة الشرق الأوسط هي التقسيم الاستعماري للعالم العربي، يجعل من وجود إسرائيل منطقيًا، فإذا لم تكن دول مثل السعودية ولبنان وسوريا وليبيا موجودة قبل التقسيم الاستعماري، فإن وجود إسرائيل يبدو منطقيًا. وللمزيد من الإقناع كرر الدكتور أشر الفكرة بطريقة أخرى قائلا إنه قبل هذه الدول لم يكن هناك "لبنانيون" أو "أردنيون" أو "سوريون".

لم يطلق الدكتور أشر على فلسطين مصطلح الدولة، ولا حتى أطلق عليها "الأراضي الفلسطينية"، بل سماها كما يسميها الصهاينة "الأرض الفلسطينية" Palestinian Territory لأن ذلك يوحي أن فلسطين كانت قطعة أرض وهو يهدف إلى التقليص من مساحة الدولة الفلسطينية، وهو أسلوب تستخدمه إسرائيل لتبرير وجودها.

كان من الضروري حتى يبرر الدكتور أشر وجود إسرائيل كدولة أن يؤكد أن هويات الناس كانت ترتبط بالدين وليس بالدولة، لأن ذلك يمهد لقيام دولة يهودية. والحقيقة التي تناسها الدكتور أسر أن المصريين كانوا موجودين في مصر بغض النظر عن دياناتهم، وأن مصر الفرعونية، هي نفسها مصر القبطية، هي نفسها مصر التي فتحها عمرو بن العاص وصارت تضم الأقباط والمسلمين.

ولا يمكن القول بأن كل ما يقوله الدكتور أشر هو محض افتراءات، فعلى سبيل المثال، ذكر الدكتور أشر أن العرب لم يروا في احتلال تركيا لهم – في زمن الدولة العثمانية – استعمارا، ولكنهم كانوا يعتبرونها دولة إسلامية، لكن الدكتور أشر نسى أن الدول كانت موجودة يحكمها ولاة وهو نسى أن يفرق في ذلك بين الانتماء السياسي ووجود الدولة، فكثير ما كان يحدث خلاف بين الولاة وبين السلطان في الاستانة.

الدكتور أشر لم ينس أن يشير إلى أن التقسيم الاستعماري للدول العربية جاء لمصلحة الدولة الاستعمارية وضد رغبة العرب الذين كانوا يأملون في وجود دولة عربية واحدة بعد انهيار الدولة العثمانية. لم يكذب الدكتور أشر في ذلك، ولكنه يعيد إنتاج فكرة أنه إذا كان الغرب هو من كان يتحكم في كل شيء ويقسم كما شاء، فإن وجود إسرائيل يبدو طبيعيا إذا قرر الغرب ذلك.

لم يذكر الدكتور أشر شيئا عن نشأة إسرائيل، ولكنه قفز بعد انهيار الدولة العثمانية إلى صعود وهبوط القومية العربية، فأشار إلى أن فشل القومية العربية – والتي كانت حلما للعرب بعد انهيار الدولة العثمانية– وأنا أنقل هنا ما قاله الدكتور أشر حرفيًا: تمثل في هزيمة العرب مرتين أمام إسرائيل عام 1948، وبشكل أكثر مهانة في عام 1967.

هذه الحروب مع إسرائيل وهزيمة العرب أمام إسرائيل كانت علامة فارقة في فشل العرب في مواجهة التحدي الغربي" وأكد أن "هذا الفشل العربي في مواجهة الغرب صعّب من تقبل وجود إسرائيل".

بعد هذه الفقرة انخرط الدكتور أشر في الحديث عن الحداثة في الشرق الأوسط، في محاولة الإجابة على سؤال متى بدأت الحداثة؟ وهل بدأت مع ظهور نابليون بونابرت أم مع أفول الدولة العثمانية؟ لم يذكر الدكتور أشر شيئا عن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ولا عن تدمير منازل الفلسطينيين ومحاولة تهويد الضيّع أو القرى الفلسطينية ولا تهويد القدس. لم يذكر شئيًا طيلة في المادة العلمية التي قدمها يتحدث عن امتداد دولة إسرائيل وتواسعاتها.

الخطورة في الجزء الأول من دورة "ظهور الشرق الأوسط في الفترة المعاصرة"، أن المتلقي إذا كان غربيا قد لا يسأل الأسئلة المنطقية عن قيام دولة إسرائيل واحتلالها الأراضي الفلسطينية لأنه لا يعرف، وإذا كان المتلقي يتلقى العلم من "محترفي التناسي القسري للتاريخ" فكيف له أن يعلم.

 الجزء الثاني من مقرر أو دورة تاريخ الشرق الأوسط الحديث تناول الثورة في مصر، والحرب الأهلية في لبنان، والغزو الأمريكي للعراق وإنهاء حكم صدام حسين، وهو ما سأتناوله في مقال تال بإذن الله.
Advertisements
الجريدة الرسمية