رئيس التحرير
عصام كامل

«السلطان حسن» من سوق للخيل إلى مسجد تذوب فيه قلوب العاشقين

فيتو

في منطقة القلعة بمصر القديمة، يقع مسجد ومدرسة السلطان حسن، الذي قيلت فيه الأقاويل، فهذا المسجد ُيعد تحفة معمارية، وفخرًا للعمارة الإسلامية، حتى أن كتاب "وصف مصر" وصفه بأنه "من أجمل مبانى القاهرة، وأنه يستحق أن يكون في المرتبة الأولى للعمارة العربية".

تهوى إليه القلوب والنفوس في شهر رمضان، ويأتى إليه المصلون للاستمتاع بصلاة التراويح وسط أروقته، وزخارفه المميزة، وأجوائه التي لا مثيل لها في أي مسجد آخر في مختلف أرجاء المحروسة.

قال عنه المقريزي إنه لا يعرف في بلاد الإسلام معبدًا من معابد المسلمين يحاكى هذا المسجد"، فهو من أجمل المساجد المملوكية لجمعه بين فخامة وضخامة البناء وجمال التصميم ودقة الزخرفة وتنوعها، وفى شهر رمضان يتجلى هذا المسجد بجمال خاص، فهو يتزين بالمصلين، ويتجمل بأجواء رمضان التي تضفى إلى بهائه بهاءً.


وحينما طرأت فكرة بناء هذا المسجد في عقل السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون، كان الغرض منه أن يكون جامعًا ومدرسة لتدريس علوم الدين والفقه، وتعليم المذاهب الإسلامية الأربعة، المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية، وكانت المنطقة التي أُنشىء عليها تسمى "سوق الخيل"، في ميدان يُدعى "الرميلة"، وهى المنطقة المعروفة حاليًا باسم ميدان صلاح الدين والسيدة عائشة، كان قد بنى عليها قصرًا ليسكنه أحد أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون المقربين، ولكن حينما شرع السلطان حسن في تنفيذ فكرة البناء، هدم كل ما فوق هذه الأرض ليبدأ بناء هذا الجامع عام 1356م.


وبعد ثلاث سنوات من بدء العمل في بناء هذا الصرح الإسلامى الذي قيل عنه أنه جُمع من أجله مشاهير المهندسين من عدة بلاد ليشيدوه ليكون أعلى صرح على وجه الأرض، قُتل السلطان حسن في معركة قبل الانتهاء من إنشاء مسجده ومدرسته، ولم يشهد إتمام تحفته، كما أنه لم يتم التوصل إلى مكان جثمانه، لذا فلم يُدفن في الضريح الذي بُنى له خصيصًا أسفل قبة المسجد الضخمة، بينما دفن فيه ابناه إسماعيل والشهاب أحمد.


أتم الأمير بشير الجمدار، أحد أمراء السلطان حسن، بناء المسجد بعد أربع سنوات من وفاة السلطان، فبنى عددا من عناصر الجامع، وأنهى بناء أبواب المدارس الأربعة على الصحن، والأرضيات، إضافة إلى بعض العناصر الأخرى، ولقد تكلف إنشاء المسجد أموالًا طائلة، يُقال إنها تصل إلى نحو 750 ألف دينار من الذهب، وتبلغ مساحته نحو 7906 أمتار مربعة، وأكبر طول له 150 مترًا، وأكبر عرض 68 مترًا.


تأسس هذا المسجد على فكرة المدارس ذات التخطيط المتعامد، فيتوسط المسجد صحن مفتوح، محاط بأربعة إيوانات شاهقة، كل منها مغطى بقبو، وأكبرها هو ذلك الذي يقع باتجاه القبلة والذي يضم المحراب والمنبر، وكان يشهد تعليم مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، أما الإيوانات الثلاثة الأخرى فكانت أماكن تعليم المذاهب الثلاثة الباقية.


ويُعد المسجد من أكثر المساجد المملوكية فخامة، ليس فقط لضخامته واتساعه، ولكن لجمال هندسته، وتنوع زخارفه ودقتها، سواء تلك الموجودة في مدخل الجامع أو التي تزين الباب النحاسى العالى للمسجد، أو في الثريات النحاسية والمشكاوات الزجاجية التي ترسم في سقف المسجد لوحة فنية فريدة في جمالها.


كان المسجد مخططا له أن يضم أربعة مآذن، تم تشييد ثلاثة منها، واحدة سقطت أثناء البناء فقرر السلطان المملوكى الاكتفاء بالمئذنتين بعد تسلل الشعور بالتشاؤم إلى نفسه إثر موت بعض المارة مع سقوط تلك المئذنة، ويتميز المسجد بأن مئذنتيه هي الأطول في المحروسة بارتفاع 81 مترًا.


في القرن السابع عشر أعيد بناء قبة المسجد من جديد وذلك بعدما تعرضت القديمة للانهيار إثر نزاع عسكري، وتزينت هذه الجديدة بزخارف جمالها يتسق مع الجمال العام الذي يحكم ويحيط بتلك التحفة المعمارية، ويبلغ ارتفاعها 48 مترًا، وقطرها يصل إلى نحو 42 مترًا.

يوجد بالمسجد قبة أخرى ضخمة يبلغ ارتفاعها 8 أمتار، مزينة جدرانها برخام ملون، وهى تلك التي يسكن أسفلها قبر السلطان حسن الذي توفى ولم يُدفن فيه، ولكنه ترك أثرًا إسلاميًا من أجمل الآثار التي تدل على إبداع الفن الإسلامى بالرغم من أنه لم يتم التعرف على المهندس الذي أشرع على تصميم وتنفيذ هذا الصرح الأثرى الفنى الذي يُمثل الفن المعمارى لأوائل العصر المملوكى بقاهرة المعز.


الجريدة الرسمية