رئيس التحرير
عصام كامل

«فيتو» تحاور زينب مرات «البيه البواب»: أدوار الخادمة أبعدتني عن التمثيل

فيتو

في الثامنة والربع من صباح أحد أيام عام 1987، فوجئت الممثلة الشابة وقتها مهجة عبد الرحمن بجرس هاتفها يدق ثم ينقطع ويعاود مرة أخرى، توجست في أول الأمر، أمسكت بسماعة الهاتف، فإذا بالطرف الآخر يلقي عليها عبارة سريعة "بكرة الساعة عشرة صباحا تكوني في ستديو نحاس عندك تصوير فيلم أمامي، محمد خان رشحك لنا وهتكوني البطلة معي.. أنا أحمد زكي!"، تجمد الوقت عند هذه اللحظة، حُفرت في ذاكرة مهجة السيدة الخمسينية ذات الملامح السمراء الهادئة، التي تطل برأسك ما إن تتذكر نبرة صوتها وهي تنادي زوجها "عبد السميع".

بعد انتهاء المكالمة لم تتمالك نفسها، شعرت بأن خيرا كثيرا يخلف هذه المكالمة القصيرة، "بالرغم من إنه مكنش أول عمل ليا لكنى سعدت بالعمل مع الطيب الخلوق المرحوم أحمد زكي، بعد اعتذار عادل إمام عن العمل.. الصدفة جعلتني أقف أمامه".
كان اقتراح واجتهاد شخصي من أحمد زكي بأن تكون الزوجة سمراء والأبناء كذلك، فما كان من المخرج محمد خان إلا أن قال له، "عندي لك ممثلة شابة هايلة، اسمها مهجة عبد الرحمن، أرشحها لك في دور الزوجة".


عام 1982 ومن خلال فيلم الراحل محمد خان والزعيم عادل إمام "الحريف"، وقفت مهجة عبد الرحمن، أو زينب زوجة عبد السميع في فيلم البيه البواب، للمرة الأولى أمام الكاميرا، من خلال دور زميلة الفنانة فردوس عبد الحميد في المصنع الذي كانت تعمل به، رآها خان على سلم المعهد أوقفها وأخبرها برغبته في أصحابها معه في فيلمه الجديد، رفض أخيها الأكبر العرض في أول الأمر، فأوكلت الموقف برمته إلى الوالد الذي كان يدللها، وافق والدها على خوضها التجربة وأقنع أخيها، "كنت فخورة بأن بدأت عملي مع أصحاب أفلام الصحبة محمد خان وداوود عبد السيد وبشير الديك وعاطف الطيب، حبيت السينما من خلال هذه المجموعة المحترمة".
مشهدان فقط كانا حصيلة بدايات مهجة التي درست فنون الديكور في المعهد العالي للسينما، مع عالم التمثيل، لتتوالى بعدها الأدوار تباعا بداية من فيلم التوت والنبوت عام 1983 وبيت القاصرات واليوم السادس عام 1986، لكنها لم تترك الأثر ذاته الذي تركه دور زينب، السيدة الصعيدية التي ألقت بها الأقدار للعيش في أحد البيوت بالقاهرة، فاستطاعت بحرفية "بنت البلد" أن تنخرط وتندمج في الثوب الصعيدي – الريفي بإتقان شهد له أحمد زكي بعد أول أيام العمل، "أحمد قال لي إيه يا مهجة خفي علينا، اللهجة عندك عالية وبتمثلي الدور بإتقان شديد فاجئتيني بشكل غير طبيعي!

" لم يكن هناك مصحح لغة لكني استمديت قوتي في الأداء من قوة أحمد زكي نفسه وأدائه المتميز. لذلك فرحت بمشاركته في فيلمي أرض الخوف واستاكوزا"، تتحدث مهجة، مؤكدة على أن تعلقها الشديد بما تبقى من ذكرى لقاءاتها بأحمد زكي، هو ما دفعها لقبول عرض المخرج تامر محسن بالمشاركة في إعلان مستشفى.500500 الذي يعرض على شاشات الفضائيات الآن، ويجمع نحو 18 ممثل وممثلة ممن شاركوا زكي أعماله الفنية، استعداد لعمل جناح خيري باسمه في المستشفى قيد التأسيس، "مصدقتش نفسي وأنا واقفة في متحف أحمد زكي في فيلته بالرحاب أمام جلبابه الذي كان يفضله أثناء التصوير، حسيت بروحه حوالينا".


لم يساعدني أحد في اختيار ملابس ومكياج زينب

على مدار شهرين وخلال أكثر من 12 ساعة متواصلة بشكل يومي، خلعت مهجة زي الفتاة التي تدرس بالمعهد العالي للسينما وتعيش في أحد أحياء مدينة بنها الجديدة الراقية، مرتدية الجلباب الأسود و" القمطة" السوداء، لم يعاونها "استايلست في اختيار الملابس وتسريحات الشعر والمكياج" عشقها للدور جعلها تقبل على حمل كافة تفاصيله وحدها، "أنا مكنش معايا استايلست في دور زينب، كل اللبس أنا بنفسي نزلت سوق كرداسة اشتريته، بين الأسود والفوشيا والأخضر والأحمر اللي رفضه أحمد زكي وضحك وقتها وقالي أحمر إيه يا زينب اللي هتلبسيه إحنا فقراء!، وأيضا المكياج وقصات الشعر كان أحمد زكي يعاونني في تحديده ليبدو أكثر تماشيا مع الدور الذي أقدمه".

لم تُمح ذكرى الستين يوما مدة تصوير الفيلم من ذاكرة مهجة حتى تلك اللحظة، "لن أنسى مواقفه النبيلة معي أثناء التصوير، كان أول لقاء بيننا وصادقني وكان خير ناصحا، كنت بحسه أخويا الذي يخشى أن يصيبني مكروه، حتى حينما كنا نصور مشهد نزولنا من القطار ومعنا الأطفال، القطر تحرك دون علم المخرج فكادت قدمي اليسرى تبتر كاملة لأن وزني كان لا يتعدى الـ 55 كجم، ففوجئت بزكي يعود ويحملني بعيدا، كان قلبه علينا قبل ما يكون قلبه على الشغل اللي بنقدمه".
يطغى البكاء على نبرات صوتها مضيفة: "كان بيحاول يرضيني أثناء التصوير ويحقق لي أي رغبة أحتاجها في تفاصيل تصوير المشهد حتى لو لم يكن راضِ عنها، للأسف الموت بيأخذ أغلى الناس ولا نستطيع تعويضهم مرة أخرى!، مازلت كل ما أعدي من حي المنيل لأي سبب أتذكر مواقفي مع أحمد وأبكي بالساعات عليه".

                  


أرفض العودة للتمثيل بسبب أدوار الخادمة.. وصدمت حين عرض فيلم "قانون إيكا"
"إيكا فتاة سمراء نوبية في مقتبل العمر، تتميز بالعفوية والخفة الحركة".. كانت هذه الكلمات هي مقدمة سيناريو فيلم "الإضراب" بطولة الراحل محمود عبد العزيز والراقصة منى السعيد، والذي تغير اسمه بعد ذلك إلى "قانون إيكا"، نسبة إلى بطلة الفيلم الذي كانت من المفترض أن تقدمه مهجة وتم استبدالها في اللحظات الأخيرة بمنى السعيد بعد أن كانت حفظت دورها عن ظهر قلب، "قلشوني في الساعات الأولى من تصوير الفيلم، فوجئت بهم يقولون منى هتعمل دور الفتاة صاحبة كشك السجائر الذي سيهرب عبد العزيز عندها حينما تطارده الشرطة، وإحنا بنعتذر لك عن هذا الخطأ غير المقصود"، تهدمت حصون الثقة لدى مهجة، شعرت بأنها لم تعد تملك من أمرها شيئا، "كنت حفظت السيناريو زي اسمي ومهيئة للدور واندمجت فيه، لكن كل أمر من عند الله خير".

العودة إلى التمثيل في الفترة الحالية بعد توقف لنحو عامين، بات بالنسبة لمهجة أمرا غير مقبول، بعد أن انحسرت في أذهان المخرجين بدور الجارية السمراء أو الخادمة، "في مسلسل قاسم أمين عملت دور الجارية في منزله، وفي شيخ العرب همام كنت جارية بيت صابرين ويحيى الفخراني.

الجريدة الرسمية