رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

خطابات قديمة


في شهر رمضان ينصح الأطباء بالبعد عن الشمس لتجنب العطش، وننصح نحن بالبعد عن السياسة لتجنب الإفطار قبل انطلاق المدفع، لذلك نتحدث اليوم عن "الحب" الذي نتمنى أن يسود بين الجميع.


ومنذ معلقات الجاهلية حتى رسائل الموبايل، سنوات طويلة قضاها العشاق في بناء القصص الغرامية التي حاولوا خلالها وضع تفسيرات للحب ليقوم الشعراء بإعادة صياغتها مثلما كتب "نزار قباني" (الحبُ في الأرض بعض من تخيلنا.. لو لم نجده عليها لاخترعناهُ).

ورغم أن للحب وجوها كثيرة، نراه واضحًا في علاقة الأب والأم تجاه أطفالهم أو الإخوة ببعضهم، حيث لا يقتصر على العشاق إلا أن جميع الأشكال الثقافة والفنية تغنت باللون الأخير وربطته بالأدب والأساطير، حتى أصبح مقيدًا بداخل سلاسل لا يخرج إلى الواقع ليعيش بين الناس مكتفيًا بالتعبير الأدبي عنه.

وقد وضع ابن حزم الأندلسي في كتابه (طوق الحمامة) تعريفًا لماهية الحب أن أوله هزل وآخره جد.. لا يمكن أن توصف معانيه لجلالتها لكنها تُدرك بالمعاناة.. كما أنه ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة إذ القلوب بيد الله عز وجل.

ومن الحب في زمن الأندلس إلى الحب في زمن الكوليرا مرت في الأنهار مياه كثيرة رسمت بأمواجها قصص حب بسيطة.. أبطالها من أبناء جيل التسعينيات، آخر الشهود على زمن خطابات الحب المكتوبة، حينما لم تكن التكنولوجيا قد بدأت في الانتشار لتُجفف منابع الخيال.

حملت خطابات أبناء التسعينيات نفس سمات الفترة التي كانت بها شوارعنا أكثر أمانًا.. ووتيرة حياتنا أقل سرعة.. ومشاعرنا لا تزال نقية لذلك جاءت خطاباتنا بريئة في أهدافها، يكتبها المراهق لجارته أو زميلة المدرسة ليملأها بكل ما يسمح به خياله من عبارات الحب أو كلمات الأغاني.

لم يكن ضجيج التكنولوجيا قد انتصر في وقت كانت تحتل أسقف منازلنا خزانات المياه وليس أطباق الدش.. وحمل الناس اهتمامًا صادقًا ببعضهم بدلًا من حمل هواتفهم المحمولة.. وكانت علاقة الجيران ببعضهم لا يزال بها الكثير من الود الذي لا يحتاج إلى إعلانات لتأكيده.

في هذه الأوقات كُتبت قصص حب المراهقة في سطور الخطابات.. حكايات بسيطة في رونقها.. رائقة في معانيها.. نسمة هواء لا يمكن أن تُزعجك.. وعندما نتذكرها لا نستطيع أن نقارنها بجنونية حكاية "قيس وليلى"، أو نُضاهيها بشاعرية قصة "جميل وبثينة" لكنها تظل قادرة على رسم الابتسامة في وجوه أبطالها الذين يدركون أنه على الرغم من مرور السنوات وتراكم الهموم لا يزال في القلب أجزاء قادرة على النبض.
Advertisements
الجريدة الرسمية