رئيس التحرير
عصام كامل

ملابس النساء.. ومقتضيات الأمن العام


تتجدد من آن لآخر المناوشات حول الحجاب والنقاب بما يثير جدلا حول الإباحة والمنع لكل منهما.. وينقسم الناس فريقين، حيث يصطف المتشددين في جانب النقاب، كونهم يرون أن كل جسم المرأة عورة يجب تغطيته، ومن ثم يكون النقاب هو الزي الشرعي الذي يَرونه من وجهة نظرهم.. وفي مواجهتهم يقف فريق آخر يضم تنويعة من المعتدلين الوسطيين، والمتحررين والليبراليين، حيث تتنوع الآراء والاجتهادات داخل هذا الفريق، بتنوع المرجعيات التي تستند إليها مكوناته.


وبالطبع زِي المرأة المسلمة وفقًا للشريعة الإسلامية يجب ألا يكون وصافًا يفصل أجزاء الجسم وشفافًا أو لافتًا للنظر على أن يكون ساترًا للجسم كله ما عدا الوجه والكفين أخذًا بقول الله تعالى في سورة الأحزاب (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (سورة الأحزاب 59)

أما نقاب المرأة التي تغطي به وجهها وقفازها التي تغطي به كفيها، فجمهور الفقهاء أكدوا على أن ذلك ليس واجبًا وأنه يجوز لها أن تكشف وجهها وكفيها، وفسر جمهور الفقهاء من السلف والمعاصرين ما يظهر من الزينة بالوجه والكفين، لأن الغالب هو ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فلزم أن يكون الاستثناء راجعًا اليهما، ولو كانت المرأة مفروضا عليها شرعًا إخفاء وجهها بنقاب وكفيها بقفاز ما كان هناك حاجة لأن يأمر الله تعالى المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم في قوله تعالى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (سورة النور 30) إذ ليس ثمة ما يبصر حتى يغض عنه.

كما لم يقم دليل صحيح من القرآن والسنة بوجوب إخفاء الوجه والكفين ومن ثم فإن ارتداء النقاب ليس محظورًا ولا منهيًا عنه فهو من المباحات ولا يجوز إخراجه من أصل الإباحة إلى الحظر المطلق والمنع التام ولذلك فإن ستر الوجه والكفين للمرأة المسلمة ليس فرضًا إنما يدخل في دائرة المباح، فإن سترت وجهها وكفيها فهو جائز وإن كشفتها لاختلاف الأحوال واحتياجها للخروج لإدارة بعض شئونها أو للعمل خارج بيتها والتعامل مع جميع الجهات فقد أتت ما رخص لها به في حدود الحاجة والضرورة وبرأت ذمتها.

ومن ناحية أخرى أضفى المشرع الدستوري سياجًا من الحماية على الحرية الشخصية والحقوق والحريات العامة، وارتداء النقاب بالنسبة للمرأة المسلمة هو أحد مظاهر هذه الحرية ولا يجوز لأي جهة حظر ارتدائه حظرًا مطلقًا، فكما يترك للمرأة عمومًا الحرية في أن ترتدي ما تشاء من الثياب غير مقيدة في ذلك بضوابط الاحتشام نزولًا على الحرية الشخصية، فإنه يحق كذلك للمرأة المسلمة أن ترتدي الزي الذي ترى فيه المحافظة على احتشامها ووقارها وألا تكون هناك تفرقة بين الطائفتين لا سند لها في القانون أو الدستور.

ونعلم جميعًا أن ستر الوجه والكفين للمرأة المسلمة ليس فرضًا إنما يدخل في دائرة المباح شرعًا والمكفول بالحماية دستوريًا، ولا يجوز حظر ارتداء النقاب حظرًا مطلقًا لتعارض ذلك مع الحرية الشخصية التي كفلها الدستور، فإنه يجوز متى اقتضت الضرورة والصالح العام التحقق من شخصية المرأة نزولًا على مقتضيات الأمن العام أو لتلقي العلم والخدمات المختلفة أو لأدائها، أو لغير ذلك من الاعتبارات التي تتطلبها الحياة اليومية المعاصرة التي تستوجب التحقق من شخصية المرأة متى طلب منها ذلك من الجهات المختصة، وذلك لإحدى بنات جنسها.. وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية