رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

من يدفع قيمة إعلانات الجمعيات الخيرية والمستشفيات


ما أن يأتي الشهر رمضان الكريم أعاده الله على الجميع بالخير حتى تنفجر قنوات التليفزيون بإعلانات التبرعات للجمعيات والمستشفيات التي لا أذكر عددها، ورغم تفهمي أن الهدف وراء هذه الإعلانات هو حث المصريين على الإنفاق في سبيل الله ومساعدة الآخرين، فمن يشاهد صورة الإعلانات بشكل كامل -بشكل كامل وليس على شكل جزئيات صغيرة سيتوقف أمام مجموعة من الملاحظات التي تضع علامات استفهام كثيرة عن إعلانات حملات التبرعات.


فعلى قنوات التلفيزيون إعلانات عن مشروعات سكنية فاخرة في الساحل الشمالي وفي مدينة السادس من أكتوبر، أحد هذه الإعلانات يقدم لك خصمًا مائة ألف جنيه عندما تحجز وحدة، وأحد الإعلانات يدعوك بشكل صريح ألا تتنازل عن رفاهيتك، وعلى القنوات نفسها إعلانات للتبرع للجمعيات رسالة، والأرومان، وبيت الزكاة المصري، وبنك الطعام، وإعلانات لجميع مستشفيات علاج السرطان.

هذا التناقض يعكس الفجوة الطبقية في مصر بين رفاهية السكن في مجمعات أو ما يطلق عليه "كومباوندات" تشبه الأحلام، وبين إعلانات يهدف أحدها إلى توصيل المياه إلى القرى المحرومة من المياه النظيفة.

إعلانات التبرعات تجعلك تشعر أن معظم المصريين يعيشون على التبرعات، وإذا كان حجم ما تقوم به هذه الجمعيات صحيحًا، فمعنى هذا أن الدولة ليس لها دور تقريبًا، فهل هناك مبالغة في الدور الذي تقوم به هذه الجمعيات أم أن الدولة لم تعد قادرة على توصيل مياه الشرب للقرى المحرومة، والطعام لمن يحتاجه؟ وإذا كان الوضع كذلك، فهل بناء عاصمة جديدة أهم من توصيل المياه لقرى محرومة من مياه شرب نظيفة.

من الملاحظات أيضًا أن الوقت الذي تستغرقه إعلانات التبرعات طويل، فهل تتبرع قنوات التليفزيون بهذا الوقت؟ ظني أن الجمعيات والمستشفيات تدفع قيمة الإعلانات، وإلا لماذا تعرض قنوات التليفزيون –بلا استثناء– إعلانات التبرعات خلال مسلسلات التليفزيون لوقت يجعل المشاهد يمل وربما يغير القناة، فإذا كانت قنوات التليفزيون تتبرع أيضًا بالزمن المخصص للإعلان، أليس من المنطق أن تضع القنوات هذه الإعلانات بعد انتهاء كل مسلسل تليفزيوني بدلاً من عرضها أكثر من مرة خلال المسلسلات.

وإذا كانت الجمعيات والمستشفيات تدفع قيمة الوقت المخصص للإعلان، أليس حرامًا أن يتضمن كل إعلان أغنية ليس بالقصيرة يتكلف تصويرها الكثير من الأموال في حين يمكن لهذه الجمعيات أن تقلل من المساحة الزمنية لكل إعلان؟ الأمر نفسه ينطبق على إعلانات مستشفيات السرطان، والجمعيات الخيرية والمستشفيات ليست جهات إنتاج إعلامية، فمن يدفع تكلفة إنتاج هذه الإعلانات لوكالات الإعلان؟

هل يتبرع جميع الفنانين والفنانات بأجورهم في هذه الإعلانات، وإذا كان البعض يحصل على أجرًا حتى ولو كان مخفضًا، فمن الذي يدفع أجور الفنانين والفنانات؟ وإذا كانت الجميعات الخيرية هي من تدفع أجور الفنانين والفنانات، فكم من التبرعات تجمع وأين تذهب هذه التبرعات؟ سؤالي هنا يرتبط بطبيعتنا بوصفنا شعبًا عاطفيًّا يتأثر بالصورة، ربما أكثر من تأثره بالحقائق. فالأفضل للمتبرعين أن يعرفوا أين تذهب أموالهم، فهل يمكن للجمعيات الخيرية والمستشفيات أن تتوقف عن استدرار عطف الجمهور عن طريق الفنانين والأطفال، والحالات الإنسانية وتعرض من خلال هذه الإعلانات حجم إنجازاتها بالأرقام الحقيقية.

هل صحيح أن المستشفيات التي تعالج السرطان التي تفوق في صورها صور الفنادق 7 نجوم، تعمل بشكل كامل من خلال التبرعات؟ وهل هناك دور لوزارة الصحة؟

موقع إخباري نشر تقريرًا في عام 2013 يقول عنوانه إن إعلانات الجمعيات الخيرية تتكلف مليارات الجنيهات لجذب بضعة ملايين لعمل الخير، جاء فيه أن الجمعية الخيرية كانت تدفع ما يزيد على مليون و250 ألف جنيه مصري لإعلان مدته 30 ثانية، فكم تدفع الجمعيات الخيرية في عام 2018؟

من بين الآثار الجانبية التي خلفتها الحملات الإعلانية لجمعيات الخيرية المشهورة والمستشفيات، إضعاف دور المجتمع المدني في المحافظات والمراكز، ففي كل محافظة توجد جمعيات خيرية يقوم عملها على التبرعات، وتدير هذه الجمعيات أو تدير مشروعات خيرية من بينها وحدات لغسيل الكلى، وأخرى لمساعدة مرضى السرطان، كمعاهد الأورام.

هذه الجمعيات الخيرية لا تحصل على تبرعات كافية بسبب الحملات الإعلانية الكبيرة للجمعيات الخيرية؛ لذلك كثيرا ما أنصح من يسألني بأن يتبرع للجمعيات الخيرية التي تدير مشروعات في محافظته، منوهًا أنه إذا كانت مصر كلها تتبرع للجمعيات الخيرية الكبيرة، فمن سيساعد الجمعيات الصغيرة الحجم التي لا تقوى ميزانيتها على إنتاج إعلان مدته ثانيتين في أي قناة تلفيزيونية.
Advertisements
الجريدة الرسمية