رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محمود الصاوى وكيل «الدعوة الإسلامية» بالأزهر»: رابعة العدوية وراء تصوف مستشرقى الغرب

فيتو


  • القرن 19 يمثل ذروة الاستشراق
  • لا يجوز الحكم على التصوف الغربى في المطلق

من هم أهم المستشرقين الذين أسهموا في نشر التصوف الإسلامى بالغرب، وما أكثر الطرق الصوفية تأثيرًا بالمجتمعات الغربية، وأسباب إقبالهم على الإسلام من بوابة التصوف في ظل حالة الإسلاموفوبيا التي تعززها الحركات الإرهابية المتطرفة، حاورت “فيتو” الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، للإجابة على هذه التساؤلات إضافة إلى الرد على الاتهامات التي تلاحق متصوفى الغرب بالتفريط في المنهج الإسلامى الصحيح.. وإلى نص الحوار:



> باختصار، متى بدأ اهتمام المستشرقين بالتصوف؟ وما الأهداف التي سعوا إلى تحقيقها من خلال مؤلفاتهم؟
في البداية، الاستشراق مصطلح يطلق ويراد به دراسة حضارات الشرق بصفة عامة، وحضارة الإسلام بصفة خاصة، من قبل باحث غربي، لغاية معينة تختلف باختلاف أسبابها، حيث إن لكل مستشرق أو مدرسة استشراقية أسبابها وبواعثها وأهدافها وغاياتها، قد يكون باعثا نفسيا دافعه الاطلاع والتعرف على ثقافة الآخرين، وسبل معيشتهم، وقد يكون باعثا دينيا، وهو أحد أهم البواعث الغربية لتوجه الغرب نحو الاستشراق، ويعود ذلك التوجه إلى فترة الحروب الصليبية، وما خلفته من آثار مرة وعميقة في نفوس الأوروبيين، فضلا عن البواعث التبشيرية ورغبتهم في تنصير المسلمين، أو خلخلة العقيدة الثابتة في أعماق نفوسهم، ليسهل احتلالهم والسيطرة على بلدانهم وتوجيه ثقافاتهم، كما لا يمكن أن نغفل الباعث الاقتصادي، فبطبيعة الحال يسعى الغرب بكل إمكاناته لامتصاص خيرات الشرق من نفط ونحوه، وتحويل أهل الشرق إلى مجرد مستهلكين لمنتجات هي بالأساس من خيرات أراضيهم.

> برأيك كيف أثرت مؤلفات المستشرقين عن التصوف خاصة بالمجتمعات الغربية؟ وما أهم المؤلفات؟
أول نص ودراسة صوفية وصلت إلى الغرب عن السيدة رابعة العدوية الناسكة العظيمة، جاء بقصتها لأوروبا جوينفل مستشار الملك لويس التاسع، ونشر أول عمل صوفى مكتوب بالعربية في الغرب عام ١٦٣٨ ميلاديا، عبارة عن قصيدة شعر للشاعر المصرى ابن الفارض نشرها العالم فايبر تسيو، كما ترجم “بستان الورد” للسعدى على يد آدم أولياريوس ١٦٥١، وبعد مائة عام انتشر الشعر الفارسى على يد السير وليم جونز، وأسس كلية فورت وليم بمدينة كلكتا في الهند، ليفتح بذلك الطريق لترجمة الأشعار الفارسية ودراسة التصوف وطرقه، لذلك ظهر جليا على المستشرقين الغربيين اعتمادهم على المصادر الفارسية لدراسة التصوف أكثر من المصادر العربية، وتأثرهم به، وتتفق أغلب المصادر التاريخية على أن القرن الـ١٩ هو ذروة التطور لنشاط الاستشراق، ففى هذه الحقبة بدأت أوروبا مرحلة جديدة متمثلة بتطلع الغرب نحو الشرق، وقيام الرحلات لاستكشاف آفاقه وترجمة الكتب المتعلقة به، حيث نشر أول كتاب صوفى بخط العالم الألمانى طولوك عام ١٨٢١، وتعتبر كتابات بالمر، وخاصة كتابه “التصوف في المشرق” سنة ١٨٦٧م من الجهود العلمية المميزة التي ظهرت في هذه الفترة، كما يعد ماسينون رائد الدراسات الصوفية في الغرب، والمرجع الأول للتصوف في أوروبا وذاع صيته بعد أطروحته للدكتوراه “آلام الحلاج”.

> برأيك هل انتشار الفكر المتشدد والجماعات الإرهابية، دفع الغرب إلى قبول الإسلام من بوابة التصوف؟
نعم بالتأكيد، ولكنَّ هناك أيضا أسبابا أعمق من ذلك ترجع إلى طبيعة الحياة داخل المجتمعات الغربية، خاصة الأوروبية، فتأثرهم يرجع إلى حالة القلق النفسي، والخواء الروحى الموجود بقوة داخل نسيج المجتمع، علاوة على الصورة الإيجابية التي قدمها المستشرقون عن التصوف الإسلامى والإشادة به، ودعم الدول الأوروبية للإسلام الروحانى الصوفى في مواجهة جماعات العنف والتطرف والإرهاب التي تنشر الخراب والدمار والفزع بين الناس، كل تلك العوامل ساهمت في تقبل الإسلام من بوابة التصوف.

> ما أبرز الطرق الصوفية بالغرب وأماكن تأثيرها؟
يجب في البداية الإشارة إلى وجود توجهين للصوفية، الأول الصوفية المجاهدة التي هبت للدفاع عن الأوطان وحملت السلاح في وجه المستعمر وأبرزها الطريقة القادرية بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري، والطريقة الطيبية الشيخية بقيادة الشيخ بوعمامة، والثانى متمثل في الصوفية المنزوية التي آثرت السلامة وعدم التدخل في شئون الاستعمار؛ ما دفع فرنسا لاختراق بعض الطرق، والتحكم بها من خلال الاستمالة بالعطايا، ورغم نيل كل البلدان المستعمرة استقلالها، فإن العلاقة بين الطرق الصوفية وفرنسا لم تستنفد مخزونها، بل أصبحت علاقة إستراتيجية، من أجل استقدام الإسلام الصوفى للغرب لمواجهة الحركات المتشددة المنتسبة للإسلام، ونتيجة لهذه المحاولات الاستقطابية للصوفية، وإحضارها للمجتمعات الغربية وتوظيفها أيديولوجيًّا، وجدنا أنفسنا أمام عدة توجهات وخطابات صوفية، داخل المجتمع الغربي، ففى فرنسا، على سبيل المثال، نجد ثلاثة توجهات للتصوف، أولها الاتجاه الرسمي، يمثله مسجد باريس الكبير الذي وضع حجر أساسه الماريشال ليوطى سنة ١٩٢٢، ويعتمد المسجد في تسيير مرافقه على عدد من المستخدمين الجزائريين يقومون بالخطابة والتدريس، إضافة إلى معهد الإمام الغزالى لتكوين الأئمة الذي تم تأسيسه عام ١٩٩٣ بطلب من السلطات الفرنسية، ويتولى إدارته أتباع الطريقة الشيخية الشاذلية في أوروبا وشمال أمريكا، أما الاتجاه الثانى فهو نخبوى تمثله كل من الطريقة النقشبندية، القاسمية، البودشيشية، والطريقة العلاوية، ويجمع كل هذه الطرق العمل على أوساط الطلاب الميسورين، والمثقفين، وعدد من الفرنسيين المعتنقين للإسلام حديثا، فيجتمعون بمجالس الذكر وقراءة القرآن، ويرددون الأذكار والاستغفار، ويستمعون إلى الأناشيد الصوفية، أما الاتجاه الأخير فهو التغريبى وتقوده طائفة حضرة عناية خان الهندي، ويتخذ من الموسيقى الصوفية محورا للممارسة الروحية، ويطلق على نفسه اسم النظام الصوفى العالمي، الجامع ببن التصوف والممارسات الروحية في الديانات الوثنية الشرقية، كالبوذية والهندوسية، باعتبارها التعبير الإنسانى الأرقى لتلاقى الأرواح والأفكار، ونفس الأمر ينطبق على طريقة شاة نعمة الله ذات الأصول الفارسية التي يشرف عليها جواد نور بخش المقيم بإنجلترا، فممارساتها أبعد ما يكون عن صحيح الدين، ما وضعها على مسافة بينها وبين الجاليات المسلمة العربية والأفريقية بفرنسا.

> بشكل عام، هل يوجد اختلاف بين التصوف في الشرق والغرب؟ وما ملامح ذلك الاختلاف؟
التصوف الحقيقى الذي هو تصوف أهل السنة والجماعة هو الذي نعرفه ونحتكم إليه أيا كان موطنه وموضعه، فوق أي أرض وتحت أي سماء، بحسب قواعده المعتبرة التي وضعها السادة أئمة التصوف السنى وأعلامه، وبشكل عام فإننى أعتقد أن للتصوف الحقيقى دورا بالغ الأثر في سد المجاعات الروحية التي يعانى منها العالم المعاصر، ومعالجة نوبات القلق والاكتئاب والضيق التي تسرى سريان النار في الهشيم في العالم الغربي، ولا شك أنه كما يوجد متصوفة يوجد متمصوفة، وأدعياء التصوف، فليس الأمر مقصورا فقط على السلفية والمُتسلف، بل هو داء عام موجود لدى غالبية أصحاب المذهبيات، والمدارس الفكرية والروحية المختلفة، هناك الثابتون على المبادئ المتحققون بها وهناك المتسلقون على أسوار المبادئ الباحثون عن المنافع الدنيوية.

> يتهم البعض التصوف الغربى بالتفريط في المنهج الإسلامى الصحيح، فما رأيك؟
التصوف هو الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدى الخلائق، إنه ضبط الحواس ومراعاة الأنفاس، وتصفية القلوب من الأكدار، واستعمال الخلق مع الخليقة، واتباع الرسول في الشريعة، هذا هو المعنى العلمي، أما المعنى العملى فيتحقق للإنسان إذا أخذ بالأحوط في المأمورات واجتناب المنهيات، والاقتصار على الضرورى من المباحات، مع الإخلاص لله تعالى.. وقواعده تتمثل في اتباع النبى «ص» في الأقوال والأفعال والأحوال والتأدب، والرضا عن الله في القليل والكثير، والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار، والرجوع إلى الله في السراء والضراء، وتقوى الله في السر والعلانية، تلك القواعد هي ميزان ومعيار للتقييم، فلا يجوز الحكم على التصوف الغربى في المطلق بالسلب أو بالإيجاب.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
Advertisements
الجريدة الرسمية