رئيس التحرير
عصام كامل

«مهاتير» المصري


في نهاية مؤتمر الشباب استوقف الرئيس الحضور مذكرًا إياهم بأن الماليزيين أعادوا "مهاتير محمد" وهو فوق التسعين للحكم مرة أخرى، وعلى الفور راحت ماكينة التحليلات والتأويلات تفسر مقصد الرئيس، خاصة أن الحوار قبل تلك الجملة وبعدها لا تمت لها بصلة، ثم إن الرئيس مرر المعلومة دون أن يعلق، وقبلها كان هناك سؤال عن مستقبل مصر بعد أن يسلم الرئيس السلطة للرئيس الجديد في عام ٢٠٢٢، واستقبل الرئيس السؤال بتعليق ساخر (مستعجلين قوي؟).


وراحت بعض التأويلات تقول إن الرئيس كان يقصد أو يلمح لمبارك وخاصة بعد الظهور لولديه علاء وجمال، وتسريبات بعض دراويشهم، وبعيدًا عما حدث في المؤتمر فقد كانت هناك محاولات من بعض النواب لتعديل الدستور وخاصة مادة مدة الرئيس المقررة بأربعة أعوام لفترتين فقط، وأخذت تلك المحاولات قدرًا كبيرًا من الجدل بين مؤيد ومعارض، ووصل الجدل لأن أفتي بعض الفقهاء الدستوريين بضرورة تعديل تلك المادة بجعل المدة ست سنوات أو خمسة سنوات وهي نفس مدة البرلمان، كما في معظم الدول الديمقراطية التي تجري انتخابات الرئاسة والبرلمان في نفس الوقت.

ويؤيد هذا الرأي بعض فقهاء الدستور بالقول أن الفقرة الأخيرة من النص الدستوري من المادة ٢٢٦ تنص على عدم إعادة انتخاب الرئيس لفترة ثالثة، بمعنى أن الحظر على مدة الرئاسة أما عدد سنينها فلا يوجد حظر عليه، وهناك من يرى أن الدستور كُتب في ظروف استثنائية وكانت هناك مظاهرات وضغوط مختلفة، أما الآن فإن الظروف أصبحت طبيعية، وأخيرًا يقول بعضهم ليس من المنطقي أن تكون مدة البرلمان خمس سنوات والرئاسة أربعة فقط.

وبصراحة فإن تلك القضية تنال قدرًا كبيرًا من الجدل الصامت بعيدًا عن الإعلام، وهناك مناقشات على فيس بوك وتويتر وفِي المقاهي، وفِي ظني أن السيناريو الأقرب للمنطق أن السيسي هو مهاتير مصر، بعد استبعاد سيناريو الرئيس الروسي بوتين عندما انتهت مدة رئاسته فقام برئاسة الحكومة متبادلاً المناصب مع ميديف، وهكذا لا تتبقى إلا تجربة مهاتير صاحب الـ٩٢ عامًا العائد للسلطة في ماليزيا بعد تقاعده بـ٢٢ عامًا، إذ استعاد الماليزيون الماضي لينطلقوا إلى المستقبل على حد وصف شبكة CNN.

ذلك أن الشخصيات المتوهجة التي تتطلبها منعطفات الزمن الحرجة تفرزها الضرورة وتنهض مثل العنقاء من رماد أحلام الناس وأمانيهم، وخاصة للشعوب التي تعي وتدرك لمن تسلم قيادتها ولمن تمنح ثقتها، وهو درس عابر للدساتير خاصة، وأن الرجل عاد للسلطة محمولاً على أصوات الصناديق بالديمقراطية التي أرسى قواعدها، وعندما عاد بدا أن الزمن زاده قوة في تحدي الأيام والشيخوخة، وكان مهاتير قد حكم ماليزيا من العام ١٩٨١ حتى 2003، وقال إنه عاد للسياسة لتخليص البلاد من مستويات فساد غير مسبوق.

غير أن قصة عودة مهاتير تشي بخطوات ربما لا تتوفر حتى اللحظة الراهنة في مصر، بمعنى أن مهاتير تزعم ائتلافًا للمعارضة من أربعة أحزاب أطلقت على نفسها اسم تحالف الأمل لمواجهة الائتلاف الحاكم الذي ظل مسيطرًا على مقاليد السلطة في ماليزيا مدة ٦٠ عامًا، والغريب أن مهاتير نفسه تزعم الائتلاف الحاكم مدة ٢٢ عامًا، وكان المشهد رائعًا حينما اعترف رئيس الوزراء نجيب عبد الرازق بالهزيمة قائلاً إنه يحترم الديمقراطية وحكم الشعب، وبالمناسبة فإن نظام الحكم في ماليزيا ملكي دستوري.

وفِي وثيقة تحالف ائتلاف الأمل تعهد مهاتير بتولي رئاسة الوزارة مدة عامين، والإفراج عن صديقه السابق الذي سجنه أنور إبراهيم، لكي يتولى غريمه السابق رئاسة الوزارة بعد الحصول على عفو ملكي له وتمكينه من دخول البرلمان في انتخابات تكميلية، وتلك باختصار هي قصة عودة مهاتير للحكم مؤقتًا في ماليزيا، بغض النظر عن التفصيلات الدرامية فيما حدث لأنور إبراهيم من أبشع اتهامات لسياسي بدءًا من الفساد وانتهاء بالشذوذ.

وهكذا فإن الواقع الماليزي مختلف تمامًا عن الواقع المصري، ذلك أن التجربة الحزبية لم تنضج بعد وفكرة الاندماج أو الائتلافات بعيده تمامًا عن الممارسة؛ لأن معظم الأحزاب تقوم بالأساس على الشخصنة وزعيم الحزب لدرجة أننا حتى الآن لا يوجد حزب للأغلبية، ومن ثم ليس هناك حزب رئيسي للمعارضة، رغم أن الدستور يعتمد التعددية الحزبية للحكم، وربما لم ينتبه الكثيرون لذلك وربما أيضًا تكون الفرصة لتشكيل حزب للأغلبية وآخر للمعارضة قد مرت دون أن نقتنصها بعد الأحداث السياسية الضخمة التي شهدتها مصر في أعقاب ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.

خاصة أن تلك الأحداث حقنت الشارع بالتوهج السياسي، وظل الناس تتعاطى السياسة وتتابع التطورات بصورة لم يسبق لها مثيل وتشكلت ائتلافات وظهر ما يسمي بالنشطاء السياسيين والحقوقيين، وفجأة تبخر الجميع؛ لأن تلك الكيانات لم تؤسس على قناعات بقدر ما شُكِّلت لأغراض شخصية ضيقة، على عكس التجربة الماليزية، ويبقى التشابه فقط في أن الرئيس السيسي يقود ثورة إصلاحية ضخمة على كل الجبهات وفِي الوقت نفسه لا يعطي للجماهيرية اهتمامًا كبيرًا بدليل إن في عمليات الإصلاح تكون قيمة الفاتورة بالخصم من رصيد السلطة دائمًا.

ومن جهة أخرى ففي نهاية الولاية الثانية للرئيس السيسي سيكون قد بلغ الثامنة والستين وهو صغير نسبيًّا مقارنة بمهاتير، فإذا انتظر السيسي أربع سنوات مدة الرئيس الجديد، فإن ذلك يعني أن يرشح السيسي نفسه وهو في الرابعة والسبعين وهو أيضًا صغير نسبيًّا بالنسبة لمهاتير، وذلك هو السيناريو الأقرب احترامًا لدستور صِيغ تحت ضغط الفحش الدستوري الذي أقدم عليه الإخوان خلال حكمهم، وبغض النظر عن كل السيناريوهات المطروحة لمستقبل الرئاسة فإن النقاش حولها قبل أن يحلف الرئيس اليمين الدستورية لولايته الثانية دليل وعي وحرص وفهم وتحوط لهذا المنصب الأهم في مستقبل مصر.
الجريدة الرسمية