رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

إلى محافظ القليوبية.. أدخل البهجة على البسطاء أو ارحل


العمل الجاد يصنع الأوطان، والكلام لا يخلف إلا الركام، وبناء الدول المنهارة يحتاج إلى أصحاب الهمم العالية، أما المشغولون بالحديث فهؤلاء هم الهاوية، التي تسقط عبرها البلاد إلى قاع بلا صعود، وواجب على كل مسئول في مصر أن يدرك هذا الأمر جيدا، وإلا فليرحل تاركا منصبه، لأن الدرك الأسفل الذي يقبع فيه المواطنون لم يعد يتحمل الانتظار.


ونحن في القناطر الخيرية أصيبت رءوسنا بالدوار من كثرة حديث المسئولين عن تطوير المدينة السياحية العريقة وعودتها إلى مجدها السابق، وهو حديث أقل ما يوصف به أنه "جعجعة بلا طحين"، ونحن من جانبنا لم نملك إلا أن نقول لهم «كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ».

والقناطر الخيرية لمن لا يعرف تبعد عن القاهرة بمسافة 22 كيلو مترًا تقريبًا، وتعد واحدة من عجائب المعمار في مجال هندسة الري التي شيدها محمد علي باشا، وهي أكبر متنزه مفتوح وكانت حتى عهد قريب قبلة جميع أطياف المجتمع في العطلات والأعياد الرسمية، حيث يزور الملايين من سكان القاهرة الكبرى 500 فدان تطل على النيل صممها محمد علي كحدائق ومتنزهات على طراز أوروبي فريد، مزود بالأشجار النادرة التي جلبها من مختلف أنحاء العالم وسميت باسم حدائق الشرق.

تخيل أيها القارئ «السرششمة» محمد علي، الذي كان يكره المصريين ويعتبر مصر مجرد إقطاعية له ولأولاده، يصنع مثل هذه الأعجوبة، ويأتي من صدعونا بالحديث عن الوطنية وحب البلاد فيُدمرون هذا المشروع الضخم، ويقتلون معه أمل الفقراء في نزهة لأبنائهم يسرقون فيها الفرحة من الهموم التي تثقل كاهلهم.

وهذا ليس مبالغة فلو كلف محافظ القليوبية نفسه وتجول في القناطر الخيرية دون أن يعلن عن نفسه لرأى من أمر المدينة عجبا، فالكورنيش المحطم رصيفه غارق في القمامة تحتله مقاعد المقاهي، حتى إن المواطن لا يجد موطئ قدم وهو يسير في طريقه، فما بالك لو قرر اصطحاب أطفاله في نزهة مجانية على شاطئ النيل، بالطبع سيصطدم بشبيحة «الكافتيريات» وأصحاب المراكب الثابتة والمتحركة الذين لا يقلون في شراستهم عن المافيا العالمية، وسط غياب تام للمحليات وأجهزة الأمن، بل وصل الأمر إلى الحديقة المواجهة لمجلس مدينة القناطر الخيرية مقسمة نصفين بين «كبابجي» ومقهى، ومقاعد لا تصلح لجلوس، ولا عزاء لمحدودي الدخل.

أما قناطر محمد علي الأثرية فأرضيتها محطمة وأسوارها متهالكة وأبراجها التاريخية التي هي شعار محافظة القليوبية صارت «مبولة» لعابري السبيل، أما القمامة فحدث ولا حرج، ولو عاد سان سيمون من قبره لرأى مشروعه صار أطلالا تاريخية، ولعلم أن فرنسا أولى بأفكاره من وادي النيل.

أما الـ500 فدان حدائق التي كانت متنفسا طبيعيا للقاهرة الكبرى وجنوب الدلتا فأغلقتها وزارة الري ومنعت دخول الكثير منها والباقي برسوم لا تصلح إلا لمن لا يفكرون في زيارة القناطر أصلا، بالإضافة إلى أن منطقة الشاليهات صارت ركاما - حرفيا وليس على سبيل المبالغة - وسط مشكلات قانونية بين جهات عدة وهي دوامة لا نهاية لها.

مما لا شك فيه أن اللواء محمود العشماوي محافظ القليوبية سيرد على هذا الكلام بالحديث عن مشروع تطوير القناطر الذي يتضمن إقامة شبكة مواصلات نهرية متميزة ذات طابع أثري خاص، بالإضافة إلى طرح باقي المنطقة للمستثمرين لتطويرها وعمل جذب سياحي عالمي... إلخ، وهذا أمر جيد، لكنه يظل مجرد حديث بلا عمل، ويبقى الفقير يبحث عن القناطر الخيرية كمتنزه كان مأواه ذات يوم قريب.

قد يتعلل المحافظ بالمشكلات الإدارية والتضارب بين الجهات والوزارات المسئولة عن القناطر، لكن هذا حديث موظف يوقع في الثامنة صباحا ثم في الثالثة مساء، ولا يهمه ما فعل في هذه الساعات، لكن أصحاب الهمم العالية يفكرون خارج الصندوق، خاصة أن القرارات والقوانين حتى الدستور وضعها بشر أمثالنا وليسوا آلهة ينطقون وحيا معصومين، المطلوب عمل قوي يتجاوز كل العقبات وليس حديثا صحفيا يخاطب دوائر الحكم العليا وليس من بين أهدافه تحسين حال الوطن والمواطن.

يبقى أن نقول إن تطوير القناطر الخيرية ليس ترفا لأبناء المدينة بل هو حفاظ على تراث وأصول دولة، وحل أزمة كبيرة لأبناء العاصمة و3 محافظات أخرى، أما إذا كان المسئولون لا يدركون ذلك فتلك مصيبة إن كانوا يعلمون فالمصيبة أعظم، وعليهم أن يتركوا مناصبهم، فالرحيل ليس وصمة عار في الدول العظمى، وكارثة لهؤلاء الذين يتعاملون مع المواطن أنه مجرد رقم في تعداد جهاز الإحصاء.
Advertisements
الجريدة الرسمية