رئيس التحرير
عصام كامل

منتجعات الكبار تهدد مخزون مصر من المياه الجوفية.. تحقيق خاص من 3 وزارات يكشف أخطر قضية فساد على «الصحراوي».. تصريحات المسئولين تعكس حجم الكارثة.. وتكشف إهدار المياه

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

لغة الأرقام لا تكذب ولا تعرف المجاملات، وفى أزمة المياه التي من المتوقع أن تشهدها مصر، تشير توقعات الخبراء إلى أن مصر ستتراجع حصتها في مياه نهر النيل بكميات تتراوح بين 5 و10 مليارات متر مكعب سنويًا، بعد الانتهاء من بناء سد النهضة الإثيوبي، ووفقا لتقديرات الخبراء المعنيين بالملف، سيؤثر انخفاض حصتنا المائية على الإنتاج الزراعي، سواء الاستهلاك أو التصدير.


الأرقام المعلنة والأزمات المتوقعة بنقص حصة مصر المائية، دفعت العديد من المسئولين إلى التحذير علانية من الأمر، وفى أكثر من مناسبة كرر الدكتور محمد عبد العاطى وزير الرى والموارد المائية تحذيره، بأن مصر دخلت مرحلة الشح المائي، تحذيرات المسئول الأول عن ملف المياه أكدت أن حصتنا المائية ثابتة، وأن الزيادة السكانية مطردة، وتضغط على كافة الموارد المائية التي لا تزيد.

تحذيرات عبد العاطي لم تكن الأولى لمسئول حكومي، فقد سبقه الوزير سامح المغازي الذي لوح بأن المواطن المصري أصبح تحت خط الفقر المائى بنصيب بلغ 620 مترًا مكعبًا سنويًا، بفارق سلبي عن متوسط الفقر المائي بـ 380 مترًا مكعبًا.

تصريحات المسئولين كشفت بلا مواربة حقيقة أزمة المياه التي تعاني منها مصر، والتي من المتوقع أن تزيد وسط غموض مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وفتحت مجالا للبحث عن موارد المياه الأخرى، التي يمكن اللجوء إليها مستقبلا، خصوصا المياه المحفوظة تحت سطح الأرض، وخزانات المياه الجوفية التي قامت عليها زراعات كثيرة في الصحراء المصرية، وتحديدا في الصحراء الغربية، فشكلت مخزونا وفيرا لزراعة أكثر من 3 ملايين فدان خلال الثلاثين عاما الأخيرة.

مصر الإسكندرية الصحراوي
ما رصدناه في هذا التحقيق الذي أجريناه على جزء من تلك المساحات المستصلحة يدل أننا ربما في بداية مشكلة تهدد بخسارة جزء ليس بالقليل من المساحة الزراعية المستصلحة المتمثلة في طريق مصر إسكندرية الصحراوي، الغني بالمزارع الكبرى التي ساهمت في زيادة الإنتاج الزراعي وتدوير عجلة تصدير المنتجات الزراعية المصرية، خلال العقود الأخيرة؛ بسبب السحب الجائر والعشوائي للمياه الجوفية في المنطقة.

وتؤدي المنتجعات المقامة بالمخالفة للقانون على جانبي الطريق الصحراوي دورا خطيرا في هدر ثروة مصر من المياه الجوفية، وتستخدم تلك المنتجعات المياه الجوفية المحدودة والمخصصة للزراعة في ملء البحيرات الاصطناعية الترفيهية، وحمامات السباحة وري ملاعب الجولف الشاسعة.

وخلال عمليات البحث عن الهدر المتعمد للمياه الجوفية على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، صدمتنا جرأة المخالفات واستخدام رجال الأعمال المالكين للمنتجعات للمياه بلا مبالاة في أغراض الترفيه، رغم أن المنطقة تعاني من محدودية المياه وزيادة الملوحة في الأرض، وفق ما كشفته دراسات لباحثين في مركز بحوث الصحراء.

بداية الخيط
بداية الخيط في أزمة المياه الجوفية، واستغلالها بشكل غير قانوني في المنتجعات، كانت من وزارة العدل، فبعد سنوات من التبديد المستمر للثروة المائية في منطقة مصر إسكندرية الصحراوي، تحركت أخيرا جهة في الدولة لاستقصاء حقيقة الأوضاع داخل منتجعات الصحراوي، وفتحت لجان فنية التحقيق تحت رئاسة المستشار صفاء الدين أباظة، المنتدب للتحقيق في قضايا فساد وزارة الزراعة.

منتجع الريف الأوروبي لصاحبه رجل الأعمال عبد الله سعد، أحد الكيانات التي كشفت اللجنة عن مخالفاتها في استنزاف الخزان الجوفي من المياه، أن التعدي لم يتوقف فقط عند حد تغيير نشاط الأرض من زراعي إلى سكني واستثماري، لكنه امتد إلى مخالفة أحكام القانون المتعلقة بإنشاء آبار الرى وتشغيلها، من خلال حفر آبار وتشغيلها دون الحصول على ترخيص أو تجديد من الجهة المختصة بوزارة الري، مما ترتب عليه إهدار شديد وتبديد لمياه هذه الآبار، التي تعتمد على المخزون المائى الموجود في هذه المنطقة.

أوراق التحقيقات في تجاوزات “الريف الأوروبي” كشفت أيضا أن الشركة ارتكبت مخالفة جسيمة تتمثل في عدم وجود منظومة صحية للصرف الصحي داخل هذه المنتجعات التي أقامتها الشركة، حيث إنها مقامة بطريقة لا تمنع التسرب وغير معزولة، ما يخشى معه وصول هذا التسرب إلى مياه الآبار أو المخزون، فيصيبها بتلوث يصعب استغلالها فيما بعد، وقدرت لجنة تثمين أراضي الدولة قيمة المخالفات المستحقة على شركة الريف الأوروبي بما يتجاوز الـ300 مليون جنيه، إلا أن الشركة لم تسدد أي من هذه المبالغ.

وادي النخيل
التجاوزات لم تتوقف عند شركة “الريف الأوروبي”، فمنتجع شركة وادى النخيل المملوك لرجل الأعمال مجدى مصطفى السيد، وتبلغ مساحته 900 فدان، والكائن بالكيلو 52 غرب طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، كان له نصيب من تبديد المخزون الجوفي، فإن لجان التحقيق كشفت عدم قيام أصحاب تلك المنتجعات بتوفير المقومات الأساسية والبنية التحتية التي يمكن إقامة هذه المشروعات السكنية عليها.

وكشفت التحريات والتحقيقات واللجان الفنية المختصة التي تقوم بمعاينة تلك الأراضى للوقوف على حجم مخالفاتها، تحايل أصحاب تلك المنتجعات باستغلال العديد من العناصر في محاولة لتوفير بعض الأساسيات التي تؤهل المكان للسكن والمعيشة، ومن أهم هذه العناصر والأدوات “المياه”، إذ إن أغلب تلك المنتجعات لم تتعاقد مع شركة مياه الشرب لتوصيل المياه إلى هذه الفيلات التي أقامتها، وقامت ببيعها بملايين الجنيهات، وتحايلت من خلال حفر عدد من الآبار الجوفية، التي تعتبر مصدرا أساسيا للري، دون الرجوع إلى وزارة الري، وهي الجهة المختصة بمنح تصاريح حفر الآبار الجوفية، ومد الفيلات بمياه الآبار للاستخدام الآدمي والمعيشي، ولجأ ملاك المشروع إلى الترخيص لحفر بئر لمرة واحدة باعتبار أن الأرض التي يملكونها مخصصة للزراعة، والمشاريع التي ستقام عليها زراعية، ولم يقم بتجديد الترخيص لتغييره نشاط الأرض من الزراعي إلى السكني والسياحي، واستخدام المياه الجوفية بالمخالفة للقانون في الأغراض المعيشية والآدمية، وهو تعامل وصف بالعشوائي مع مياه الآبار الجوفية دون تنظيم يضمن حمايتها والمحافظة عليها؛ لأن غياب الترخيص للآبار الجوفية يحرم وزارة الرى من متابعة عمل هذه الآبار، وكيفية استعمالها بطريقة تمنع إهدار الماء الصادر أو المستخرج منها.

بحيرات صناعية
معاينة للمنتجعات المخالفة من خلال اللجان الفنية المتخصصة والمشكلة بقرار من المستشار صفاء الدين أباظة، كشفت إنشاء بعض المنتجعات بحيرات صناعية للترفيه باستخدام المياه الجوفية من هذه الآبار، والتي تعتبر جريمة في حق الدولة؛ لأنها تهدر المخزون المائي الجوفي بصورة متجاوزة- وفقا لتقارير الخبراء؛ بسبب أن هذه البحيرات، إنما تحتاج إلى ملئها لكميات ضخمة من المياه وتشغيل مواتير الكهرباء لساعات طويلة لسحب كميات ضخمة من المياه لتعبئة هذه البحيرات التي لا تستخدم إلا للزينة.

المخالفات الصارخة لم تتوقف فقط عند ملء البحيرات الصناعية بالمياه الجوفية، بل كشفت تقارير الخبراء أن ملء البحيرات يحتاج إلى تشغيل الآبار يوميًا لساعات طويلة لتجديد مياه هذه البحيرات، بضخ مياه جديدة فيها، حتى لا تركد المياه، وتنبعث منها الروائح الكريهة، وبالتالي يقوم أصحاب تلك المنتجعات باستغلال مياه الآبار الجوفية، أسوأ استغلال لتحقيق أكبر قدر من الربح في مبيعاتهم، على النحو الذي يضر بالغ الضرر بالمخزون الجوفي.

التحقيقات الجارية من قبل قاضى التحقيق في فساد وزارة الزراعة، أشارت إلى أن أصحاب المنتجعات على الطريق الصحراوي لم يكلفوا أنفسهم جهدا في توصيل المياه من شركة المياه بفيلات للاستعمال المنزلي، بل إنهم سحبوا المياه من الآبار من أجل الاستعمال المنزلى بالمخالفة للقانون والقرارات المنظمة لاستعمال مياه الآبار.

وتقرأ أيضا في التحقيق :
الجريدة الرسمية