رئيس التحرير
عصام كامل

رينيه جينو العارف بالله.. اعتنق الإسلام ثم انتسب إلى التصوف

فيتو

أدين بدين الحبَ أنَّى توجهت.. رَكائِبُهُ فالحُبُ دينى وإيماني
كان هذا لسان حال رينيه جينو، الباحث عن الحقيقة، محاولًا الاهتداء إليها، فجاء من باريس مهرولًا إلى مصر، ليهتدى إليها من خلال الصوفية، ليصبح العارف بالله الشيخ عبد الواحد يحيى.


كان لتفسير كلمة “العارف بالله” خصوصية عند الشيخ عبد الواحد يحيى، فكان تعريفه للكلمة من خلال تعريفه لكلمة “صوفي”، التي يقول عنها: “إذا أردنا تفسيرها ينبغى لنا أن نرجع إلى القيمة العددية لحروفها، وإنه لمن الرائع أن نلاحظ أن القيمة العددية لحروف “صوفي” تماثل القيمة العددية لحروف “الحكيم الإلهي” فيكون الصوفى الحقيقى إذن هو الرجل الذي وصل إلى الحكمة الإلهية.. إنه “العارف بالله”؛ إذ إن الله لا يعرف إلا به، وتلك هي الدرجة العظمى “الكلية” فيما يتعلق بمعرفة الحقيقة”، هذا ما جاء في “موسوعة الصوفية صفحة 21 الحسينى الحسينى معدى 2013”.

ديانات الشرق
دخل رينيه جينو عالم ديانات الشرق عام 1904، فتعرف على ثلاث شخصيات أثرت في حياته وساعدته على تغيير منهجه في البحث عن المعرفة، فتعرف على ليون شامبرينو، المثقف الفرنسى الذي اعتنق الإسلام، وسمى نفسه عبد الحق، تيمنًا باسم عبد الحق ابن سبعين الصوفي، وكان رئيس تحرير مجلة “الطريق”، وعنده وجد رينيه رصيدًا للأفكار التي تؤرقه، وعمل محررًا معه حتى عام 1907.

وتعرف رينيه على صديقه الجراف ألبير بيوتو، وهو فرنسى اعتنق التاوية، ما دفع جينو لدراسة العقائد الصينية والهندية والتصوف الإسلامي.

أيون جوستاف
أما صديقه الثالث فهو الفنان السويدى أيون جوستاف آجيليي، وتغيرت حياته عندما أسلم، وأطلق على نفسه اسم عبد الهادي، وتصوف وسافر إلى مصر، وتلقى العهد على يد شيخ الطريقة الشاذلية الشيخ عبد الرحمن عليش الكبير، مفتى المالكية، وأحد تلاميذ عبد القادر الجزائري، وأمضى عبد الهادى ست سنوات بالقاهرة، وأصدر مجلة إسلامية أطلق عليها اسم “العرفان”، وكان عبد الهادى شغوفًا بالشيخ محيى الدين بن عربي؛ الأمر الذي أثَّر فيما بعد في جينو، فدخل معه إلى عالم الصوفية الإسلامية، وهنا وجد ضالته التي كان يبحث عنها.

وأعلن رينيه إسلامه عام 1912 على يد صديقه الرسام السويدى “عبد الهادي”، وأصبح معروفًا في عالم التصوف الإسلامى الشاذلى باسم عبد الواحد يحيى، وتلقى العهد من الشيخ “عليش” المصري، على يد “عبد الهادي” السويدى في باريس.

كان الشيخ الإمام عبد الحليم محمود يضع رينيه جينو في مرتبة الإمام الغزالي، وفى كتابه “قضية التصوف”، عن سبب إسلام جينو، يقول الشيخ عبد الحليم محمود: “كان سبب إسلامه بسيطًا ومنطقيًّا حيث رصد «محمود» في كتابة «قضية التصوف» القواسم المشترك بين «جينو» و«الغزالى».

عندما سُئِل العارف بالله الشيخ عبد الواحد يحيى عن سبب إسلامه، قال في أحد مقالاته: “لقد تتبعت كل الآيات القرآنية التي لها ارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية، والتي درستها منذ صغرى وأعلمها جيدًا، فوجدت هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على معارفنا الحديثة، فأسلمت لأنى تيقنت أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أتى بالحق الصُّراح من قبل ألف سنة، ومن قبل أن يكون هناك معلم أو مدرس من البشر”.


الشيخ عليش
بعد اعتناق الإسلام تزوج “جينو” من بيرت لورى عام 1912، وأخذ يلقى دروسًا في مدارس خاصة بفرنسا والجزائر، وقرر الاعتزال ليعود إلى “الميتافيزيقا النقلية”، وفى عام 1928 فجع الشيخ عبد الواحد بوفاة زوجته بيرت، فقرر الانتقال للقاهرة عام 1930.
بدأت حياة الشيخ عبد الواحد يحيى بالقاهرة في مارس 1930، حيث جاور شيخ طريقته “عليش”، فكان يقضى وقته في مسجد الحسين وساحة الأزهر، بين الصلاة والعبادة، وتعرف على الشيخ محمد إبراهيم، صديق الشيخ عليش، وتزوج من فاطمة ابنة الشيخ محمد إبراهيم، ليقيم بالقرب مسجد الحسين.


الفيلسوف المسلم
واصل الشيخ عبد الواحد تأليفه بالفرنسية، وأخذ يراسل المجلات الفرنسية، كما كان يؤلف بالعربية مباشرة وينشر في مجلة “المعرفة”، وانتقل بعد ذلك مع عائلته إلى “شارع نوال” بحى الدقي، في فيلا أطلق عليها اسم “فاطمة” على اسم زوجته، ليعيش في عزلته مع ذكرى زوجته، وابنتيه خديجة وليلى وولده أحمد، وكان الشيخ رينيه يرتدى ملابس شيوخ الأزهر حتى توفاه الله عام ١٩٥١.

اهتم الإمام الشيخ عبد الحليم محمود بالصوفى العارف بالله عبد الواحد يحيى، وخصص جزءًا من كتابه “أوروبا والإسلام” للحديث عنه، وخصص كتيبًا عنه بعنوان “الفيلسوف المسلم رينيه جينو” عام 1945، وكرر حديثه عن “جينو” في كتابه عن المدرسة الشاذلية، مؤكدًا اهتمام الشرق والغرب به.

يذكر رينيه جينو بين المهتمين بالروحانيات وأئمة الدعاة بأنه أحد مصلحى الحضارة الحديثة، وتعرف العالم على الصوفى رينيه من خلال كتابات الدكتور عبد الحليم محمود.


المدافع عن الإسلام
ترك الشيخ عبد الواحد يحيى العديد من المؤلفات التي ضمَّت بين صفحاتها دفاعًا عن الإسلام وصورته لدى الغرب، في مواجهة الصورة التي كان يُروِّجها المستشرقون حول كون الإسلام انتشر بحد السيف، وأنه لا يثمر الروحانية العميقة.

“عرفت رنييه جينو منذ ثلاثة وعشرين عامًا، أردت يومها أن أكتب عنه مقالًا، وحين بدأت القراءة استعصت عليّ علوم الرجل ولم أفهمها جيدًا”، هكذا كتب إلياس بلكا المفكر الإسلامى في مقاله “من رينيه جينو إلى يحيى عبد الواحد: رحلة عقل نادر”.

وكان بلكا يعتبر “جينو” مؤلفًا ومفكرًا غير عادي، فقال عنه: “يكفى أن أندريه جيد صرح ذات يوم بقلق.. إذا صحت آراء جينو فإن فكرى كله ينهار.. ولم أجد أي اعتراض على آراء جينو ففكره لا ينقض، والمشكلة أننى في سن لا تسمح بالمراجعة، لو اطلعت على كتبه في شبابى لانقلبت حياتى كلها رأسًا على عقب”.
الجريدة الرسمية