رئيس التحرير
عصام كامل

كيف أعادت «رفات الموتى» الحياة لسكان قرية العور؟ (صور)

فيتو

مشهد دامي، لن يُمحى من الذاكرة المصرية لعقود طوال، خاصة هؤلاء أقارب وأسر ضحاياه الذين رأوا بأم أعينهم أبنائهم وأصدقائهم وأبناء عمومتهم يُذبحون.


قبل نحو 3 سنوات ظهر مقطع فيديو لأفراد من تنظيم داعش الإرهابي يسوقون عددا من أقباط مصر على أحد شواطئ المدن الليبية، بلغ عدد هؤلاء الشباب 15 شابا، 14 منهم مصريا بالتحديد قرية العورن وآخر أفريقي، لم يبلغ أكبرهم عمرا الثلاثين، مكبلي الأيدي والأقدام، مرتدين اللون البرتقالي، صامتين، هادئين، يسيرون على أحد الشواطئ - يقال مدينة سرتة - يساقون إلى مثواهم الأخير، ليبدأ أفراد التنظيم الإرهابي في نحر أعناقهم في مشهد دموي غابت عنه الإنسانية.

على بُعد نحو 25 كيلو مترا من محافظة المنيا تقع مدينة سمالوط، التي تضم عددا من القرى إحداهم قرية "العور"، التي اشتهر اسمها خلال السنوات الثلاث الماضية بعد الحادث الإرهابي الذي استهدف 13 من أبنائها الأقباط أثناء عملهم في ليبيا.

"دول كانوا سبب في الهنا اللي إحنا فيه دلوقتي"، يقول أحد حراس كنيسة "شهداء الإيمان بليبيا" الواقعة بقرية العور: عملنا كنيسة كبيرة مكناش نحلم إنها تتعمل، ومناطق زراعية اتحولت لمباني، وبقى عندنا مزار بيجيله الناس من كل ناحية، الشهداء دول كانوا رايحين يشتغلوا اللي عنده عشرين سنة وأكبرهم 27 سنة، الجماعة بتوع داعش طلبوا منهم ينكروا دينهم، لكن هما ثبتوا على إيمانهم واستحقوا يبقوا قبلة لكل محتاج أو طالب معجزة من ربنا".

تروى الحكايات عن مدى ثبات وقوة الشهداء أمام الإرهاب، يتبادلها الصغار والكبار فيما بينهم، في جلسات السمر في المنازل أو جلسات التواصل بين جدران الكنيسة، القرية في ليلة وضحاها تحولت إلى "مزار" ديني، يذهب إليه الناس من كل صوب وحدب، يطلبون المعجزة من ربهم ويأملون في أن ينالوها.

يستكمل حارس الكنيسة: "كل يوم من صباحية ربنا بيجي عندنا زوار، المنطقة بقت أكثر حيوية عن الأول، وجود الكنيسة وجواها المزار، رايحة جاية طول اليوم، إحنا هنا عارفين بعض وبقينا نشوف بعض كل يوم تقريبا في الكنيسة".

قبل 3 أيام عثرت السلطات المصرية والليبية على "رفات" شهداء قرية العور في صحراء ليبيا، أعادت الحكومة المصرية الرفات إلى القرية وتسلمتها الكنيسة وعمدت إلى بناء "مزار" يمثل مقبرة جماعية يضم جميع الشهداء أو ما تبقى منهم، بدأ الأهالي يتباركون بـ"المزار" وذاع صيته خلال ساعات قليلة ليتحول قبلة أهالي مدينة سمالوط.

بدا أن الشهداء السبيل الوحيد للفت انتباه الدولة بأكملها تجاه القرية وسكانها، فبدأت في الاهتمام بالبنية التحتية والاهتمام بشبكة الطرق وتحسين مياه الشرب: "الشهداء ربنا اختارهم لقوة وثبات إيمانهم، وجودهم في السما فتح أبواب خير للناس هنا على الأرض سبقونا للسماء، تم بناء كنيسة وأصبح هناك مزار، الوضع تغير بشكل كامل في القرية"، يقول نسيم شقيق أحد الشهداء.

القصة بدأت منذ أن قرر أهالي الشهداء تكريم ذويهم، إذ عمدت كل أسرة إلى بناء مزار خاص للشهيد داخل المنزل للتبارك به.

أمام باب حديدي لمنزل ريفي بسيط، تجد "طلمبة ومياه وخراف" على اليسار، وعلى اليمين نصف الباب تمر من خلاله إلى الداخل تجد درجا يرتفع للدور العلوي، نلقي التحية ونقول كلمة السر "جايين نتبارك" نلقى من الجانب الآخر ترحابا شديدا نقفز درجات السلم نصل إلى غرفة مغلقة بإحكام على باب الغرفة نقش صورة أحد الملائكة يطرق الباب طلبا لإذن الدخول.

داخل الغرفة، توجد صور الـ14 شهيدا تزين الجدران الثلاثة للغرفة، فيما يخصص الجدار الرابع للشهيد صاحب المزار، ألوان الغرفة ما بين اللون الأحمر والأبيض، الأحمر يرمز للدماء التي نزفت من الشهداء، والأبيض إلى تحولهم إلى ملائكة يحرسون ذويهم من السماء.

في دولاب خشبي مزين بنقوشات مسيحية، وصورة كبيرة للشهيد، وعدد من ملابسه والإنجيل الذي اعتاد أن يقرأ فيه، تسلط الأضواء داخل الدولاب الخشبي على صورة الشهيد ومن خلفه يسوع، نقشت (َتعالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ).
الجريدة الرسمية