رئيس التحرير
عصام كامل

فلترحل يا أبو مازن!


كان ياسر عرفات ثعلب النضال الفلسطيني قادر على إدارة حركة الصراع مع العدو الإسرائيلي بكفاءة مذهلة، حتى في اسوأ أحوال الأمة العربية.. كان الرجل يعيش في تونس بعد أن ضاقت عليه كل البلاد المحيطة أو القريبة من أرضه المحتلة، لكنه وهو في تونس استطاع برجاله وعلي رأسهم أبو جهاد أو خليل الوزير أن يزلزل الأرض تحت أقدام الصهاينة بالانتفاضة المجيدة بنسختيها الأولى والثانية، وكانت نموذجا في النضال السلمي طويل النفس الذي لا يحدث إلا بقدرات تنظيمية هائلة على الأرض!


كان عرفات رئيسا لحركة فتح.. قلب منظمة التحرير الفلسطينية.. والمنظمة ضمت حركات أخرى غير فتح مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وغيرها، واستطاع عرفات توظيف قدرات هذه المنظمات عسكريا، فكانت الضربات الموجعة للعدو الإسرائيلي داخل وخارج الأرض المحتلة ودون أن يحسب عليه شيء!

وبعد الانتفاضة تأسس في فتح جناح عسكري سمي "كتائب شهداء الأقصى" وكان الهدف ألا يكون النضال المسلح قاصرا على حركتي حماس والجهاد، وأيضا لتوسعة نطاق المواجهة العسكرية لرفع كلفة إسرائيل من المواجهة، ومع ذلك كان عرفات يعطي أوامره بالأعمال المسلحة وهو نفسه يدينها في اليوم التالي! فيبدو داعية السلام يحمل غصن الزيتون لكن رجاله يقومون بالمهمة، وبينما حماس كانت تقوم بالأعمال الانتحارية والتفجير ضد المدنيين كان رجال عرفات يقومون بأعمال عسكرية ضد جنود جيش الاحتلال نفسه!

كان عرفات يتنازل في لحظة ويسحب التنازل في لحظة أخرى تناسب سحب التنازل السابق، وكان يوافق بالضغوط ويتراجع عن التنازل في أول انفراجة! وكان مهندسا بارعا في فن إدارة الصراع، ولذلك كان لا حل معه إلا بالخلاص منه.. وقد كان!

الآن لا يتولي الشأن الفلسطيني من يقدر على ذلك.. وبصراحة يتولاه غير الجدير بتوليته، فلا هو يقاتل ولا هو يفاوض.. لا هو يهيمن على مجمل حركات النضال الفلسطيني ولا هو يحركها بوسائل أخرى.. ووسط كل ذلك لن تصبح فلسطين إلا سرادق عزاء كبيرا، فلا هي ستتحرر ولا هي ستدفن بالحياة!

ارحل يا أبو مازن واختتم حياتك ختاما شريفا تبقي به عند شعبك من حاول ولم يستطع، وسلم المسئولية لمن يستطيع حتى لو كان خارج الأرض المحتلة، صقرا جديدا يختاره الشعب الفلسطيني قادر على توظيف كل الأدوات بما فيها عودة العمل المسلح الذي لا تفهم إسرائيل إلا إياه.. ولن يردعها غيره.. وذلك أفضل كثيرا من تحمل ذنب قد لا تريده، وبؤس لا نريده، وعار لا يقبله لك أو عليك أحد!
ارحل..
الجريدة الرسمية