رئيس التحرير
عصام كامل

المتلونون (٣)


نصحني صديقي بعدم الكتابة عن المتلونين، فلا جدوى من كتابة لا يقرؤها مسئول، ولا فائدة من إلحاح لا يجد من صاحب القرار سوى غض الطرف، بل كانت النتيجة لمن طالته كتاباتي.. مزيدًا من المناصب، ثم حذرني من سطوة المتلونين، مؤكدًا أنني لن أكون بمأمن من غدرهم، وقد حكمت على نفسي بالاختفاء القسري من الساحة الإعلامية، لأن باعهم هي الأطول والأقوى.


لم أتوقف طويلًا أمام النصيحة، ولم أبالِ من غض الطرف، ولم تزيدني سطوتهم إلا إصرارًا، وغدرهم إلا قوة، أما باعهم فأصابها الوهن عندما فقدوا مصداقيتهم ولفظتهم كل فئات المجتمع، وقد صارت الكتابة عنهم مهمة، ينال من يتصدى لها شرف الوطنية، وإذا كان الاختفاء القسري هو الثمن، فهناك.. على الجبهة.. من دفعوا أرواحهم ثمنًا لنحيا، وبخس هو ما ندفعه أمام ما دفعوا.

كيف أتوقف عن الكتابة والذاكرة ينعشها محاولة المتلونين طمس الماضي القريب، فما زلُت أضرب كفًا بأخرى عندما أُشاهد على الشاشة تلك الوطنية الزائفة لمن كتب في خيرت الشاطر مقال غزل فاق ما كتبه قيس في لبنى، فقد ساق أسباب حبه للشاطر ليحرض الناس على حبه، وتغنى بفكره الاقتصادي وإمبراطوريته التي بناها وهو في السجن، وكيف حافظ عليها أبناؤه الذين عانوا سنوات طويلة بسبب نظام مبارك الذي حرمهم من رؤية أبيهم..

ثم دخل هذا المتلون في حالة من الشجن ليسبغ على الشاطر صفات لم يتطرق إليها نزار قباني عندما كتب عن بلقيس عقب استشهادها، وفي مقارنة بين عقلية الشاطر الاقتصادية وعقلية أحد كوادر الحزب الوطني.. ساق المتلون ما يؤهل الشاطر لقيادة ليس فقط مصر.. بل العالم، وكيف أنه المنقذ الوحيد لاقتصاد يتهاوى.

عدت بالذاكرة إلى الوراء قليلًا، فاكتشفت أن هذا الإعلامي كان يتقاضى راتبه الشهري من جماعة الإخوان، فقد عقدت الصحيفة التي كان يعمل بها اتفاقًا مع الجماعة يقضي بحصول إدارة الصحيفة على مبلغ مالي من مكتب الإرشاد مقابل تبني الصحيفة أفكار الجماعة، ونص الاتفاق على زيادة عدد النسخ حتى يتسنى للإخوان توزيعها على أغلب الأعضاء، كان ذلك في عصر مبارك الذي لم يسلم من سهام هذا الإعلامي، وعندما أزاح الشعب الإخوان بادر المتلون بالقفز من المركب والاعتذار عن مقال الغزل، الذي كتبه في خيرت الشاطر، ليلحق بمن قفزوا قبله من المركب، ويوجد لنفسه مكانًا على الشاشة.

جمعتني بالمتلون جلسة أثناء التحضير للاحتفال بافتتاح قناة السويس، شاهدته يتحدث عن الخطة التي أسهم في وضعها لتغضية الاحتفال، سألتني زميلتي المذيعة.. من هذا الشخص الذي يستعرض عضلاته متقمصًا شخصية الفريق مهاب مميش؟! فأجبتها.. هذا صحفي كان يكتب في صحيفة يمولها الإخوان، ثم انتقل إلى صحيفة خاصة، هتف ضد الجيش في ميدان التحرير، ثم تغزل في الإخوان، ثم قفز من مركبهم، ليصبح أحد مقدمي برامج التوك شو.
basher_hassan@hotmail.com
الجريدة الرسمية