رئيس التحرير
عصام كامل

«الفودو» الشعبي والنعوش الطائرة


ابتليت الأمة المصرية في الفترة الأخيرة بنوع من المخدرات أشد وأفتك من الأنواع السابقة، وهو ما يطلق عليه اسم "الفودو" أو Voodoo، أي "التعويذة"، نبات يشبه أوراق البانجو، ويزرع بالأمريكتين، ويتميز باللون الأخضر الفاتح، واستخدامه الأصلي كمهدئ للحيوانات المفترسة مثل الأسود والنمور في السيرك، كما يستخدم لتهدئة الثيران وفي مصارعات الثيران..


ويتم تعاطيه عن طريق التدخين، ويحوي مواد تسمى "الإتروبين والهيوسين والهيوسيامين"، التي تسبب السيطرة التامة على الجهاز العصبي، وتؤدي إلى تخديره تمامًا، وعندما ينتهي تأثيره على المتعاطي تزيد الهلاوس السمعية والبصرية التي يشعر بها المتعاطي.

ويباع مخدر "الفودو" في مصر – قبل أن يدرج بالفعل على جدول المخدرات- على شكل أكياس تحتوي على 3 مليجرامات من المخدر، وتتنوع الألوان بين الأسود والأخضر والأصفر بحسب بلد المنشأ، ويتراوح سعر الكيس الواحد بين 350 و450 جنيها، كما يلاحظ تدوين جملة "غير صالحة للاستخدام الآدمي" على بعض الأكياس، التي في الأغلب يكون مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا عن مخدر "الفودو" الأصلي؛ لكن نظرا للطلب عليه من الطبقات الشعبية تم تصنيع (وليس زراعة) مادة سميت بالفودو أو الأستروكس أخطر من السم القاتل، يتعاطاه الشباب المصري في معظم المناطق الشعبية والقرى وهو ليس فودو أصلا، إنما مواد كيماوية ترش على تبغ السجائر وعُشب البردقوش؛ ليعطي شكل الفودو الأخضر الغامق..

ومن المواد الكيماوية التي ترش على التبغ والبردقوش سم الفئران الأسود، ومبيدات حشرية، وقوارض وصراصير، والأسيتون والنفط، وجميعها عالية السمية على المتعاطي، بالإضافة إلى مواد عطرية أخرى تضاف للمخدر، مثل "الزعتر" وتعبئة المخدر في أكياس معدة للبيع، وهناك احتمال مرتفع بنسبة 95% وفاة متعاطيه من أول سيجارة، وطبعا تصنع في المنازل الشعبية لدى محترفي هذه التجارة.

والملاحظ أن ذلك المخدر الذي يسبب الإدمان من أول سيجارة ولا يمكن الإقلاع عنه سوى في مصحة متخصصة وبرغبة المدمن، أدى هذا المخدر الشعبي إلى ازدياد حالة الوفاة في الفترات السابقة للمدمنين بشكل مرعب وبصورة متكررة ويومية، وهذا هو الملاحظ في مناطق كثيرة من الجمهورية، خاصة في المناطق الشعبية، والأمر صار يستوجب وقفة حازمة وقوية من الدولة وأجهزتها المختلفة، رغم تسليمنا باستحالة المواجهة التامة التي تحتاج إلى أضعاف أضعاف رجال الأمن الحاليين، وتحتاج إلى رقابة صارمة في المناطق الشعبية، وحيث يُصنع ذلك القاتل أو الفودو الشعبي، وتحتاج إلى أموال ضخمة للعلاج والمواجهة..

لكن رغم ذلك فإن العمل الأمني بات واجبا مُلحا حتى نلحق بالبقية الباقية من المدمنين قبل وفاتهم، حتى يتم حماية من لم يتعاطوه لكنهم يفكرون فيه، فإذا كثفت الأقسام والمراكز من المتابعة الأمنية يوميا وعلى مدار الساعة في البؤر المعروفة بالتصنيع فسيقل التعاطي ويتراجع بصورة كبيرة، كما أنه على القيادات الشرطية أن تلاحظ الفاسدين من رجال الأمن الذين ينزلون ليَرتشوا من المصنعين للفودو والمخدرات، الذين يجعلون أحيانا شهرية كبيرة لبعض رجال الأمن الفاسدين لعدم الإبلاغ أو المتابعة؛ مما يمكن هؤلاء من العمل في راحة ويسر.

وهناك نقطة في قمة الأهمية وهي ينبغي أن يلاحظ بعض أعضاء مجلس الشعب الذين يتدخلون للإفراج عن تجار المخدرات ومصنعي الفودو أنهم بذلك إنما يسهمون في عملية قتل الشباب المصري، وأنهم يخالفون القانون والشرع، ويلغون ضمائرهم في مقابل منفعة زائلة وأصوات ملوثة مسمومة مدمرة للوطن الذي يدّعون حبه والوقوف بجانبه.

ولا ينبغي أن نكتفي فقط بالأمن بل يجب أن يكون هناك دور للتوعية من خلال المساجد التي يجب أن يفهم أئمتها تركيب الفودو الشعبي وأثره في الشباب، مع إظهار خطورته وحرمته الشرعية، فإن الإيمان بالله سبحانه وتعالى من أكبر الموانع للانحراف، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).

وقد أجمع علماء المسلمين من جميع المذاهب على تحريم المخدرات، حيث تؤدي إلى الأضرار في دين المرء وعقله وطبعه، حتى جعلت خلقا كثيرا بلا عقل، وأورثت آكلها دناءة النفس والمهانة. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: 90) كما ينبغي على المدارس أن تقوم بذلك الدور خاصة المدارس في المناطق الشعبية والقرى، وللأسف نجد أحيانا أن الفودو يدخن داخل المدارس، بل يصل الأمر إلى أن يكون متعاطيه من المعلمين أنفسهم، وتلك كارثة ما بعدها كارثة.

وبالطبع دور الأسرة مقدم على المدارس والمساجد، حيث ينبغي أن تنبه أبنائها إلى خطورة الإدمان بصورة عامة، وتراقبهم لتتعرف على أصدقائهم، فالصحبة السيئة ورفاق السوء كثيرا ما يكونون سببًا في تعاطي المخدرات للرغبة في التقليد، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير..) فعلى الإنسان أن يبحث عن أشخاص طيبين يثق بهم.

كما تراقب التطورات المالية للأبناء، فلا يعطون إلا على قدر حاجاتهم، فتوفير المال مع وقت الفراغ قد يكونان عاملين أساسين في إقبال الشباب على تعاطي المخدرات إذا لم يجد التوجيه السليم لقضاء وقت الفراغ بما هو نافع، في مقابل عدم وجود التوعية الرشيدة لطريقة الإنفاق المالي وفي الحديث: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.

ويجب على وزارة الصحة أن تكثف من حملات توضيح خطورة المخدرات وعلى رأسها الفودو الشعبي، كما ينبغي أن تزيل اللبس الواقع بين المخدر والقدرة الجنسية، وتزيل الاعتقاد الخاطئ أن المخدرات تزيل الشعور بالقلق والاكتئاب والملل، وتزيد في القدرة الجنسية، وتحذر من استخدام المواد المخدرة للعلاج استخدامًا سيئًا لا يتبع فيه إرشادات الطبيب مما يسبب له الإدمان، ومن حب الاستطلاع والفضول لفئة من الناس في تجربة أشياء غير مألوفة دون مبالاة لآثارها فيسقط في هاوية الدمار والهلاك.
الجريدة الرسمية