رئيس التحرير
عصام كامل

وزير التابلت


أقول وبملء الفم «أنقذوا أبناءنا من هذا الرجل» والرجل الذي أقصده هو الدكتور طارق شوقى وزير التعليم، الذي شرع وحيدا مع نفر من رفاقه إلى الإيعاز للعامة والخاصة أنه قادر وحده دون غيره على تطوير التعليم، متوهما أن الورقة والقلم هما سبب تخلف التعليم، وأن سيادته نام فحلم بمنظومة جديدة تعتمد على التابلت، حتى تصور الواهمون أننا لا ينقصنا إلا التخلص من الورقة والقلم والسبورة لنصبح علماء مثل سيادته.


الأمر الخطير أن ذوى الشأن تركوا الرجل يصول ويجول ويتحدث ليل نهار عن «تابلت سيادته» حتى لقبه الخبثاء بوزير التابلت، طارق شوقى لا يعلم عن التطوير إلا مجرد الكلمة، وأفكاره لا تبرح مساحة السذاجة والسطحية، فهو الذي أوهمنا قبل أربعة أعوام أن مصر ستنهض بما جلبه إلينا المسمى بنك المعرفة، عندما عرض على مجلس الوزراء وهمه القديم المتعلق ببنك المعرفة حتى إن أحد الوزراء انفعل عليه قائلا له: لسنا طراطير يا دكتور حتى نوافق على شيء موجود أصلا!!

وزير التابلت لم يحدثنا عن مواصفات المنتج التعليمى، أو بالأحرى لا يعرف حتى تاريخه ما المواصفات المطلوبة في الشخصية المصرية على مدى قرن قادم، لنبدأ في صياغة المناهج وفق هذه المواصفات.. الإيرانيون بعد ثورتهم وضعوا تصورات عامة حول الشخصية الإيرانية، أو ما يمكن تسميته بالهوية المطلوب توافرها في الشخصية الإيرانية، وبعد التوافق المجتمعى على ملامح الهوية الإيرانية، وما يمكن أن يكون عليه الإنسان الإيرانى.. نقلوا التصور إلى المنهج ثم شرعوا في التطوير وفق هذه المواصفات.

الدكتور طارق شوقى لديه هوس بالدولارات والقروض والمنح، ظنا منه أن الدولار كما هو سيد الاقتصاد العالمى فإنه سيكون الساحر الذي ينقل التعليم المصرى إلى آفاق العالمية، ومتابعة «وزير التطوير» فيما يقول تدفعك دفعا إلى أن تقرأ الفاتحة على البقية الباقية من التعليم المصرى إن كان هناك تعليم من أساسه، فالتطوير ليس تابلت وليس سبورة، التطوير قضية فكرية ترتبط بتشخيص ما وصل إليه المجتمع من آثام وتفكك وانهيار، ومن ثم التخطيط وفق رؤية وطنية قادرة على التعاطى مع معطيات العصر، وقادرة على الإسهام الحضاري.

طارق شوقى لايزال يتنقل بكرته خارج البساط المخصص للمباراة ظنا ومتوهما أن العلم كل العلم في التابلت، رويته مضمحلة وسطحية وساذجة إلى حد التهور، رؤيته فاشلة من حيث المنطق والمنهج والتطبيق، انحصر الوزير وحاصر نفسه في الثانوية العامة معتبرا أنها التعليم ولا شيء سواه يمكن أن يكون تعليما، وليته فكر فيما نقدمه غذاءً لعقول أبنائنا.. هو مهووس بالتابلت والشاشة والـ«تاتش».

إن العالم كله انتهى إلى أن الهدف الأسمى للتعليم هو أن تتعلم كيف تتعلم، ودول العالم المتحضرة تحرص في مناهجها على مواصفات إنسانية تنبع من هوية وطنية، وتحرص على التمسك بتلك الهوية، أما شوقى فهو المبهور بالغرب، ولا شيء غير الغرب دون أن يتدارس تجارب نشأت من العدم في اليابان والصين وماليزيا.. تجارب اعتمدت الهوية انطلاقا إلى العالمية والتعاطى مع الآخر والانفتاح المحسوب بدقة.

مشروع طارق شوقى ليس إلا شاشة جامدة لا تصنع مصريا عصريا، وإنما تقدم لنا مسخا مشوها لا علاقة له بحضارته، ولا تاريخه، ولا جذوره، والحل الوحيد أمامنا أن نوقف زحفه نحو القروض فالماليزيون علموا أبناءهم على سبورة معلقة بشجرة، فوصلوا إلى أن أصبحوا الآن صناع تابلت، الوزير الذي يتصور أن التعليم منتج يمكن استيراده معلبا ومغلفا ومطهيا داخل أفران الميكروويف الغربية!!
الجريدة الرسمية