رئيس التحرير
عصام كامل

مخدرات «بره الجدول».. «فيتو» تكشف في تحقيق استقصائي خبايا عالم «مدمني الأدوية».. خلط أدوية «البرد والكحة» بمقادير معينة ينتج مخدر له تأثير «الأفيون»..

فيتو

>> الدكتور نبيل عبد المقصود: أحد المرضى كان يخلط الهيروين بقطرة العين وبعد إقلاعه عن الهيروين استمر في تعاطي القطرة

>> مصانع لإنتاج الأقراص المخدرة في «جبل الحلال القنائى».. و«العسل الأسود» واجهة للأنشطة الإجرامية


بصوت تتضح على نبراته علامات التعب قالت “ريم”: "بعد رحلة طويلة ذهبت إلى قصر العينى وبعدها للدمرداش، أخذت شريط برشام كاملا، وهذه ليست المرة الأولى التي أتناول فيها شريط برشام كاملا".

علامات الشحوب واضحة على وجهها.. لا تمتلك القدرة على المشى بمفردها.. تستند بوجع على كتف شقيقها، تتأوه بصوت مسموع، وتتزايد أوجاعها وهى تخطو، برفقة شقيقها، بوابة مركز السموم، بمستشفى الدمرداش الجامعى بجامعة عين شمس.

المثير في الأمر هنا.. أن “ريم” الفتاة الجامعية التي عبرت بوابة مركز السموم، حسبما أكد عدد من العاملين في المركز، لا تعتبر حالة استثنائية، فالمركز يستقبل يوميًا حالات مشابهة لحالتها، فـ”ريم” التي لم تجد أمامها سوى اللجوء للمركز، بعد تناولها جرعة دوائية ضخمة تسببت في إصابتها بالتسمم، ولم تكن تعرف أن تناولها هذه النوعية من الأدوية ولمدة طويلة يجعل منها مدمنة.

تزايد معدلات تناول “ريم” للدواء كان سببًا في إصابتها بمضاعفات خطيرة في القلب، ورغم هذا لا تزال ترفض الاعتراف بأنها أصبحت مدمنة، وعندما طرحنا عليها فكرة اللجوء لإحدى المصحات المختصة بعلاج الحالات المشابهة لحالتها، انتفضت وقالت بصوت غاضب قلق: “أنا مش مدمنة، ومستحيل أقول لبابا إنى مدمنة، شخصيته شديدة ومش هيفهم التفاصيل اللى وصلتنى للحالة دي”.

على غرار حالة “ريم”، استقبل مستشفى الطب النفسى والإدمان بكلية طب جامعة الإسكندرية (أ- م) وهو شاب مراهق بعمر 16 عامًا مدمن أدوية، لجأ إلى خلط بعض المسكنات وأدوية البرد والسعال لتصبح مساوية لتأثير الأفيون، واستخدم مواقع الإنترنت لتعلم خلط الأدوية لتحويلها إلى مخدرات.

دراسات الكيف

على طريقة فيلم “الكيف” ذائع الصيت، تعكف الدكتورة نهى عثمان أستاذ الصيدلة بالجامعة الألمانية على أحدث دراسة لها لإنتاج مسكن قوى لمرضى السرطان، والتي قالت عن المسكن: “سيكون بنفس قوة الحشيش والماريجوانا والأفيون، ولكن دون أضرار مثل المخدرات العادية التي تسبب الموت أحيانا، كما أنه سيكون علاجا لمرضى السرطان وألزهايمر لتخفيف ألم هذه الأمراض، فـمرضى السرطان يعانون الألم الكبير بسبب أن مرضهم خطير، المسكن هدفه مساعدتهم، والتجارب للمسكن شملت فئران التجارب في المعمل، وحتى الآن النتائج واعدة وإيجابية”.

إدمان الأدوية
تقع عملية خلط الأدوية لتحويلها إلى مخدرات أو تعاطى المسكنات الدوائية القانونية ضمن عملية إساءة استخدام الدواء (drug abuse)، بل يسمى إدمان الأدوية (battled prescription (drug، وطبقا لوزارة الصحة الأمريكية فإن العديد من الأباء كانوا غير مدركين لأخطار توفير الأدوية، حيث أشارت نورا فولكو، مدير معهد الوطنى لتعاطى المخدرات إلى أن 55.7% من الأشخاص الذين يسيئون استخدام الأدوية في سن أقل من 12 عامًا، وقد حصلوا عليها من صديق أو أحد أفراد العائلة.

وكانت صحيفة النيويورك تايمز، قد وثقت حالة لطفل رضيع في 9 أبريل 2011، حيث عانى الطفل ماثيو من أعراض انسحاب أفيونى بعد شهر من ولادته بسبب تناول والدته للمسكنات الطبية وإساءة استخدامها الدواء خلال 12 أسبوعًا من حملها.

وفى ذات السياق تشير إحدى الإحصائيات إلى أنه وصل عدد الأطفال الذين أصيبوا بانسحاب أفيونى إلى نحو 276 طفلًا في عام 2010 في مستشفيات فلوريدا وأوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تناول الأم للمسكنات.

تعليقًا على هذه الدراسات قال الدكتور محمد سامى الشال، رئيس قسم الكيمياء بجامعة فرجينيا كومنولث الأمريكية: فكرة تصنيع مسكنات أو مخدرات دون آثار جانبية مثل فيلم الكيف فكرة ليست جديدة، فالأدوية التي تستخدم في مصحات الإدمان بها أدوية مخدرة لكنها بلا أضرار أو آثار جانبية، مع الأخذ في الاعتبار أن حالات إساءة استخدام الأدوية أو تركيب أدوية تعتبر نوعا من أنواع الإدمان، ويمر المدمن فيها بنفس أعراض الانسحاب العادية، بل تكون حياته عرضة للخطر، خاصة أن المسكنات والأدوية بها نسب من المخدر.

معدة التحقيق، في سياق بحثها، تمكنت من الحصول على قائمة مواد كيميائية وأدوية طبية يسمح بصرفها دون روشتات طبية، يمكن استخدامها لصناعة المخدرات، وذلك بالاستعانة بأحد الأشخاص- فضل عدم ذكر اسمه- إلى جانب اللجوء إلى بعض المواقع على شبكة الإنترنت تقدم شرحا مبسطا لكيفية صناعة المخدرات.

من جانبه قال الدكتور نبيل عبد المقصود، أستاذ علاج السموم وأمراض البيئة بكلية طب قصر العيني، رئيس الجمعية المصرية لعلاج السموم البيئية، المدير السابق لمستشفى قصر العينى التعليمى الجديد (الفرنساوي): المخدرات الدوائية ليست كالمخدرات العادية لكنها تسبب الهلوسة ويصل فيها المتعاطى للنشوة، والمدمن أحيانا يخلط الأدوية بالمخدرات للوصول إلى مستوى نشوة أعلى، وأحد المرضى بمركز الإدمان الذي أملكه كان يخلط الهيروين بقطرة العين وحتى بعد إقلاعه عن الهيروين استمر في تعاطى القطرة.

في حين كشف مصدر مسئول بمركز سموم كلية طب قصر العينى جامعة القاهرة، أن المركز يستقبل عشرات حالات التسمم بسبب إدمان الأدوية، وحتى إن بعض المرضى يدخل في نوبات تشنج، كما يصاب بقرحة في المعدة ومشكلات في الكلى والكبد بسبب تراكم الدواء بهما.

المراهقون هم أصحاب المشكلة
أما الدكتور عارف خويلد، أستاذ الطب النفسى والإدمان بكلية طب قصر العينى جامعة القاهرة، أوضح أن “المدمن أحيانا يستخدم الأدوية بعد خلطها لتصبح كمخدرات أو حتى يقوم بإضافتها للمخدرات ليصبح تأثيرها أعلى، كما أن المدمن العادى بعد أن تكتشف أسرته إدمانه، وتبدأ في التضييق عليه ماديا، يضطر إلى استخدام الأدوية كبديل للمخدرات لأنها سهلة التداول ويصعب اكتشافها، كما تصعب ملاحقته أمنيا بسببها “ممكن ياخد أدوية أمه ويجربها كبديل”، والمراهقون والشباب الصغير هو من يقومون بهذا الفعل من باب التجربة.

في حين قالت الدكتورة عزة البكرى رئيس قسم الطب النفسى والإدمان بكلية طب قصر العينى جامعة القاهرة: المراهق يحتاج إلى رعاية خاصة، ويجب على الأهل أن يدركوا كيفية التعامل معه.

ثقافة عامة
وحول اتهام بعض الأطباء بالتورط في الأمر، قال الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء: سوء استخدام الأدوية يرجع في الأصل إلى ثقافة المصرية ليست غلطة من الطبيب، بينما الثقافة الغربية وخصوصا إنجلترا تتميز بحرص شديد في صرف وكتابة الروشتات. 

وعن نوعية الأدوية التي يمكن استخدامها كمخدرات ويمكن الحصول عليها بطرق شرعية، قال الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية: إن هناك أدوية تصنف ضمن أدوية (oc) أي يمكن شراؤها دون روشتة مثل أدوية البرد والسعال.

وردًا على مطالبة البعض ببيع الأدوية بـ”الروشتة” فقط، قال “رستم”: هناك عرف سائد في مصر ببيع الأدوية دون روشتات، في إنجلترا على سبيل المثال لا يوجد دواء يصرف دون روشتة، كما أن دور الأجهزة الرقابية وضع هذه الأدوية ضمن الجدول ليتم صرفها بروشتة وذلك بعد تحليلها والتأكد من الأثر النفسى لها، والجهات الأمنية عليها دور بمهاجمة بيت من يقوم بالتصنيع إلى جانب مراقبة تجار المخدرات.

لا توجد إحصائيات رسمية
وفى رحلة البحث عن إحصائيات رسمية، التقت معدة التحقيق الدكتور إبراهيم عسكر، نائب مدير صندوق مكافحة الإدمان والتعاطى بوزارة التضامن الاجتماعي، الذي قال: توجد حالات من المدمنين الذين يخلطون الأدوية “مدمن كوكتيل أدوية” لكن لا توجد إحصائيات رسمية تحدد عددهم حتى الآن.

وأضاف: هذا المدمن لا يمكن القبض عليه أو كشفه، وهناك نوعيات جديدة من المخدرات تم تخليقها بالاعتماد على الأدوية المصرحة مثل الأستروكس، لذلك بدأنا تغيير القوانين لمواجهة هذه الحرب التي تستهدف مصر. 

في السياق قال اللواء دكتور يوسف الوصال، رئيس الجمعية المصرية لمكافحة المخدرات: إن المسألة خطيرة وتحتاج إلى تدخل فورى لتغيير القوانين لتستوعب هذه المتغيرات الحديثة.

مدمنو أدوية السعال
أما الدكتورة منى عبد المقصود رئيس أمانة الصحة النفسية، فقد أكدت وجود مدمنى أدوية السعال وأدوية البرد، مضيفة أنه يتم إرسالهم إلى مستشفيات الصحة النفسية لعلاجهم من الإدمان.

وأضاف خالد الخطيب وكيل وزارة الصحة للرعاية الحرجة: مدمن الأدوية يبدأ علاجه في وحدات السموم المختلفة، ويكون دور الوحدة إنقاذ حياته وإنعاشه ثم ينتقل بعد ذلك إلى وحدات علاج الإدمان لاستكمال علاجه، ووزارة الصحة تملك 20 مركز سموم متخصصا، كما توجد مراكز سموم قوية تابعة لقصر العينى والدمرداش.

قانون خاص
أما الدكتور حسام الدين مصطفى، مدير إدارة التفتيش الصيدلى العام بوزارة الصحة، فقد أكد أنه لا يوجد قانون يجبر الصيدليات على صرف كل الأدوية بالروشتات، مضيفًا أنه توجد أدوية يسمح ببيعها دون روشتة مثل أدوية الصداع وأدوية البرد.

وأكمل: في بريطانيا لا تصرف الأدوية دون روشتة، ويوجد لديهم نظام تأمين صحى قوى ويشمل كل المواطنين “المواطن لما يمرض عندهم يروح يكشف وياخد دواء”، ومصر لم تطبق نظام التأمين الصحى الشامل حتى الآن، مواطن أحيانا يشترى نفس الأدوية بروشتة قديمة أو دون روشتة توفيرا للنفقات.

وكشف أن إدراج أي دواء بالجدول بحيث يصرف بروشتة أمر صعب، ويحتاج إلى إجراءات وحالات مرضية وفحص دقيق لأن الشركة منتجة الدواء لن تقبل هذا الإدراج لأنه يقلل من مبيعاتها، مطالبًا بتطبيق قانون يسمح ببيع كل الأدوية بالروشتة، بالإضافة إلى بيع الأدوية باسمها العلمى وهو اسم المادة الفعالة به، ما يوفر نظاما أكثر دقة من القائم.

معدة التحقيق، تحدثت أيضا إلى الدكتور محمد مصطفى خبير السموم بمصلحة الطب الشرعى بوزارة الصحة، الذي قال: إن إدراج أي مادة ضمن جدول المخدرات يحتاج إلى إجراءات كثيرة واجتماعات مع وزارة الداخلية وفحص شامل للمادة للتأكد من أثرها، والفودو تم إدراجه بجدول المخدرات في 2014 بعد إجراءات كثيرة.

وتابع: المسكنات تحتوى على نسب من المخدر، وأن بعض المسكنات التي يساء استخدامها يتم طحنها وشمها لتدخل مكوناتها إلى المخ مباشرة بدل من مرورها بالمعدة وتفاعلها مع الأحماض، وهو ما يجعل تأثيرها مختلفا، ومدمن الأدوية يتناول جرعات أكبر من الأدوية ليحصل على كمية أكبر من المخدر الموجود بالدواء، ذلك بعد أن يقوم بطحنه وشمه أو حرقه ضمن مواد مخدرة.

وحاولت معدة التحقيق التواصل مع الدكتور هشام عبد الحميد رئيس مصلحة الطب الشرعى بوزارة العدل للحصول على رد عن كيفية إدراج المواد المخدرة بالجدول لكن لم تتلقَ ردا منه.

نظام دوائى بديل
وعن التجربة الخارجية مع الظاهرة ذاتها، قال الدكتور أشرف دهبة، أستاذ التخدير بالجامعة الطبية بالنمسا، المستشار طبى بالجامعة العسكرية الصينية: النمسا لا يسمح بها ببيع أدوية دون روشتات، كما أن الإسراف في إعطاء الدواء خطأ، ومصر بها فوضى في صرف الأدوية تنذر بكارثة، والصيدلى يعطى الدواء دون عناء أو تفكير، وهو ما يمثل خطأ لأن صرف الدواء يكون بحرص، خاصة أن إنتاج البشرية من المضادات الحيوية قد انخفض وهو ما ينذر بخطر قادم للأمراض بلا أدوية.

من جانبه يقول اللواء مجدى البسيونى مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن هناك أدوية خطيرة خلطها خطير، لو حدث خلط شخص هذه الأدوية فإن الجهات الأمنية تجرى تحرياتها، وتلقى القبض عليه، خاصة إذا وصل بتعاطيها إلى حالة السكر وعمل في بيعها والاتجار بها. أضاف البسيونى، أنه لو عثر على هذه الأدوية بكميات كبيرة وكان الشخص يحملها وأثبتت التحريات ذلك يجب محاسبته، موضحا أنه إذا كانت هذه الأدوية مرصودة ومعروفة فيجب ادراجها بالجدول لتصرف بالروشتات.

أوضح البسيونى أنه إذا كان الشخص يصنعها لنفسه فيصعب محاسبته، مضيفا أن الإعلام عليه دور بنشر الوعى. أكد البسيونى، أن دور وزارة الصحة والجهات المعنية بالأمر تحويل هذه الأدوية إلى الجدول لصبح صرفها قاصرا على حاملى الروشتة فقط، كما أن دور وزارة الصحة هي فحص معدل الاستهلاك الكلى للأدوية، إذا كان مرتفعا دل ذلك على وجود نسبة كبيرة من المدمنين وهنا تبدأ الجهات الأمنية بالمنع والبحث.

الحل الأمريكى
تطبق وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية الرقابة بجميع أنحاء البلاد على توزيع مسكنات الألم الموصوفة حيث أدت المراقبة المكثفة إلى تقييد العرض وتحديّد ما يمكن للصيادلة توزيعه على المرضى. قد نفذت 37 ولاية أمريكية برنامج مراقبة PDMP اعتبارًا من أكتوبر 2011 لتحديد الاستخدام المحتمل للأدوية أو إساءة الاستخدام، كما قامت إحدى عشرة دولة إضافية بتنفيذ تشريع لتنفيذ PDMP بجمع البيانات المتعلقة بالوصفات الطبية التي يتم صرفها، وذلك دون التأثير على حق المريض في الدواء أو خصوصيته.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية