رئيس التحرير
عصام كامل

أسامة الجندي يكتب: سيناء عبرالتاريخ «المكانة والأوليًّات» (2)

فيتو

تابعنا في المقال السابق بعضًا من مكانة سيناء وأوليَّات وقعت على أرضها المباركة، وفي هذا المقال نتابع بعضًا مما انفردت به أرض سيناء، فهي الأرض التي انفرد جبلها (جبل الطور) من بين جبال الكرة الأرضية بأنه مبارك مشهور معروف إذا ذكر في القرآن معرَّفًا، فالمتأمل لكلمة (جبل) في القرآن سيجد أنها ذكرت ست مرات، منها ثلاث مرات نكرة، أي لا يعلم أي جبل، ومنها ثلاثة مقرونة بأل التعريف، إشارة إلى هذا العلم المشهور المبارك (جبل الطور).


فهو الجبل الذي شهد ظاهرة فريدة لم تجرِ أحداثها فوق أي أرض إلا على أرضٍ مصرفى جبل الطور؛ حيث تجلى الله تعالى للجبل فجعله دكّا وخرّ موسى صعقًا، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143].

وهو الجبل الذي شهد نزول الألواح أو كتاب التوراة، قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)} [سورة الأعراف].

وهو الجبل الذي شهد ذلك اللقاء الذي رفع الله جل وعلا الجبل فوق بنى إسرائيل وأخذ عليهم فيه العهد والميثاق: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)} [سورة الأعراف].

وهو الجبل الذي شهد مجيء موسى بسبعين رجلًا من قومه للتوبة عند الطور، فأخذتهم الرجفة، قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف :155].

وهو الجبل الذي شهد هذه القاعدة الإلهية (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)، فحين أخذتهم الرجفة قال موسى عليه السلام مخاطبًا ربه عز وجل : { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف]، فكانت الإجابة من قبل الله عز وجل : { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}[الأعراف].

وهي الأرض التي سميت بهذه الخصوصية (الوادي المقدس طوى) فانعكست على مكانة موسى بين الأنبياء، قال تعالى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [سورة طه :12].

وسيناء اشتملت تربتها على آثار أقدام الأنبياء والمرسلين، وفيها تنزل الوحي الإلهي عليهم، فقيل : إن سيدنا إبراهيم عليه السلام رحل إليها في عصر الهكسوس (1675- 1580 ق.م) وكان ذلك عن طريق سيناء، ونعلم أنه أنجب ولده إسماعيل عليه السلام من السيدة هاجر وهي من بنات مصر، فبمصر عن طريق سيناء ارتبط أبو الأنبياء عليه السلام، ونزل عليه الوحي، ورفع لواء التوحيد في مواجهة الشرك وعبادة الأصنام.

وإلى مصر جاء سيدنا يوسف عليه السلام، وكان ذلك في عهد الأسرة الخامسة عشرة، والتي يبدأ حكمها سنة 1675ق.م، وباستدعاء من يوسف عليه السلام جاء إلى مصر (والده) سيدنا يعقوب عليه السلام، وعاش فيها ودعا إلى الله فيها، وتنزّل الوحي عليه على أرض مصر، وقد قيل : إن دخولهم كان عن طريق سيناء، بل وقيل : إن قوله تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام : { ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } [يوسف : 99] كان من خلال سيناء.
الجريدة الرسمية