رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«معاش».. اللي يزعلكم!


هل تعلم الحكومة، وهل يعلم البرلمان أن الزمن قد تغير، وأن معيشة الناس قد تغيرت، وأن الذي كان يخرج إلى المعاش منذ 30 سنة كان يخرج وقد أكمل -تقريبا– كل مسئولياته تجاه أولاده، ويكون قد أتم رسالته فعلم الأولاد، وزَوّج البنات وسترهم في بيوتهم، وحصل من تعلم من أبنائه على عمل يبدأ به مشواره في الحياة، وحمد الله على نعمته، وبدأ يأخذ قسطا من الراحة وعناء المشوار الطويل، وإن كان مريضا أو صاحب علة مزمنة فقد كان يجد في جنيهات المعاش المتواضعة ما يستطيع به شراء علبة دواء أو الذهاب إلى طبيب للعلاج، حتى تحين ساعته وينتقل إلى رب العباد، ورغم أن المعاشات كانت بسيطة للغاية لكنها كانت تصل بصاحبها إلى حد الكفاف!


أما وأن الحال قد تغير إلى أسوأ حال وتأخر سن الزواج بسبب ظروف الحياة الاقتصادية، وأصبح من يصل إلى عمر الستين ويخرج إلى المعاش يكون ما زال في منتصف الطريق، وما زال يعول أطفالا وأبناء في سن التعليم من الإعدادي –وربما الابتدائي– إلى الجامعة، وما أدراك بالنفقات المطلوبة للتعليم، وبعدها نفقات الزواج سواء أولاد أو بنات، وتشهد على أزمة هؤلاء زنازين الغارمين والغارمات!

يخرج صاحب المعاش فيجد بين يديه ما يقل عن ربع ما كان يتقاضاه –ولم يكن يكفيه– وهو في العمل، بالإضافة إلى حفنة من الأمراض المزمنة وغير المزمنة، وبدلا من الراحة والتقاط الأنفاس يبدأ من جديد البحث عن أي عمل وهو في هذا العمر ليتجنب الحاجة ومذلة الاستدانة، ويظل هكذا حتى يلقي ربه وهو يتصبب عرقا وألما من أوجاع المرض الذي لا يستطيع شراء الدواء له!

كذب من قال إن الحياة تبدأ بعد الستين في مصر.. العذاب والألم وكسرة النفس والحاجة هي التي تستمر مع صاحب المعاش بعد الستين، والراحة والهدوء لا يتمتع بهما صاحب المعاش إلا مع الموت!

إذا كانت الحكومة لا تعلم ذلك فتلك مصيبة، وإذا كانت تعلم وقامت بالتصدي لوقف أو تعطيل لحكم محكمة واجب النفاذ بمسودته فالمصيبة أعظم، وإذا كان نواب البرلمان لا يعلمون فتلك كارثة، وإذا كانوا يعلمون وقاموا بالموافقة السريعة على منح الوزراء ونوابهم والمحافظين ونوابهم ورئيس الوزراء ورئيس المجلس معاشا يصل إلى 80% من الحد الأقصى للأجر بما يعادل 33 ألف جنيه فالكارثة أعظم لأنهم لم يحركوا ساكنا عندما عطلت الحكومة حكما صادرا لمصلحة 9 ملايين مواطن صاحب معاش أفنوا عمرهم في خدمة العمل ودفعوا لهذا اليوم من رواتبهم ما يستحقون عليه معاشا ودخلا آدميا.

ما أعرفه وما يقوله الدستور وقانون التأمينات أن المشترك يستحق المعاش بعد مدة اشتراك لا تقل عن عشرين عاما باستثناء حالات الوفاة الطبيعية أو بسبب آخر أثناء الخدمة، فكيف يمكن صرف معاش بقيمة 80% من الأجر لوزير أو محافظ أو نائب لأي منهما بعد عام أو عامين أو ثلاثة على أقصى تقدير؟ وكيف إذا كان الوزير له ملف تأميني في وظيفة سابقة في الجامعة أو من رجال الأعمال أو الداخلية وكان يتقاضي معاشا؟

هل عمل الوزير أو المحافظ أو تعيين نوابهما وظيفة مستديمة أم تكليف مؤقت قد ينتهي بعد شهر أو سنة أو أكثر قليلا؟ وهل اشترط الوزراء والمحافظون أن يكون معاشهم بعد أداء المهمة بهذه القيمة؟ وهل هذا من العدل والإنصاف أن يحصل من يعمل عام أو اثنين على معاش يعادل ثلاثون ضعف من عمل أكثر من ثلاثين عام؟

لم يكن هناك مانع أن يحصل الوزير والمحافظ وغيرهم ممن شملهم تعديل القانون ضعفي الحد الأقصى للأجر طالما في وظيفته وطالما يعمل بجد واجتهاد.. لكن أن يحصل على هذه النسبة من الأجر كمعاش في الوقت الذي تجتهد الحكومة في تعطيل حقوق أصحاب المعاشات فليس في هذا عدل ولا إنصاف!

المادة 17 من الدستور تقول: "أموال التأمينات أموال خاصة لها كل الحماية مثلها مثل المال العام وتكون فوائدها ملكًا لأصحابها وتضمن الحكومة هذه الأموال".

هذا الكلام لم ينفذ فأموال التأمينات تقدر بـ 705 مليارات جنيه، منها صكوك بمبلغ 339 مليارا بالخزينة العاملة للدولة بعائد 9%، و65 مليار جنيه ببنك الاستثمار القومي بعائد 11%، وأوراق دفع بمبلغ 144 مليار جنيه بعائد 14.4%، و166 مليار جنيه ديون مستحقة على وزارة المالية بدون عائد، وهذه الأموال لو تم استثمارها بشكل صحيح كان قد تخطى المبلغ تريليون جنيه حسب «سعيد الصباغ» رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات.

فوائد جزء من هذه الأموال 50 مليار جنيه سنويًا، وكان من المفترض أن يستفيد منها صاحب المعاش ولكن الحكومة "ودن من طين والثانية من عجين !

كان لدينا أمل أن تنظر الحكومة بعين الإنصاف لهؤلاء الذين يعانون كل أشكال المعاناة، وكان لدينا أمل أكبر في مجلس النواب أن يكون الناس -وخصوصا أصحاب المعاشات- هم أول أولوياته، وكان لدينا أمل أخير عند الرئيس أن يوجه الحكومة لتنفيذ الحكم الصادر لأصحاب المعاشات بمسودته ولو على مراحل لا تثقل كاهل المالية، ويطلب من الحكومة إعداد قانون منصف لا يجعل صاحب المعاش مثل خيل الحكومة ينتظر رصاصة الرحمة خصوصا أن أصحاب المعاشات لا يطلبون شيئا إلا من حصيلة مدخراتهم في صندوق التأمينات.

9 ملايين صاحب وصاحبة معاش هم ظهير الدولة الحقيقي في كل المواقف، وظهير الدولة يحتاج من الدولة التقدير الواجب ورد الحق.. كل الحكاية.. معاش يكفل لهم حياة كريمة، ومعاش اللي يزعلكم !!
Advertisements
الجريدة الرسمية