رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عمال مصر الشقيانين.. كالبنيان المرصوص (صور)

فيتو

اليوم الأول هو من شهر مايو، يوم خصصه العالم ليصبح عيدا للعمال كمكافأة طال انتظارها، لدرة تاج المجتمع، بل وعموده الفقري أيضًا، ففي عيونهم تقرأ هموم الأوطان ومستقبلها. كل يسير في اتجاهه المخصص له، فيما يشبه العمل الدائب بخلية النحل، يكمل كل عضو الآخر.


إنهم عمال مصر، وقلبها النابض دائما بالحياة، تلك الفئات المتشعبة والمتشابكة والتي ما زالت تصب مهامها في الإناء ذاته، كل يكمل الآخر ويعمل على راحته، لتكتمل الصورة في النهاية، تلك التي تستحق أن يخصص لها يوما كاملا بل شهورا وسنوات، احتفاء وعرفانا بالجميل.

فئات مختلفة ووجوه عدة، ما بين عامل اليومية "الشقيان" من أجل بضعة جنيهات في نهاية اليوم، وموظف حكومي يعود في نهاية يومه علامات التعب على وجهه وفي يديه ثمرة من حصاد يوم عمل شاق، أو بائع طاف بلاد الله بحثا عن لقمة عيش. مهما اختلفت ظروفهم وطبقاتهم الاجتماعية، فالجميع فوق أرض واحدة وتظلهم السماء ذاتها، وكذلك الآمال والأمنيات.



في السابعة من صباح كل يوم، يستيقظ عم على، 60 عاما، ابن قرية ننا بمحافظة بني سويف، يخرج متجها إلى بوابة العقار، يفتحها لاستقبال هواء يوم جديد، ينظف مدخل العقار والسلالم، يطمئن على سلامة المصعد الكهربائي، ويجوب الشقق واحدة تلو الأخرى، متسائلا عن خدمة يمكن أن يقدمها أو طلب لإحدى الساكنات يمكنه تلبيته لها. ثم يجلس من جديد فوق قطعة الرخام الملحقة ببوابة العقار، "أنا شغال بواب للعمارة دي من عشر سنين، من يوم ما سبت بلدي والفلاحة ووجع الرأس ونزلت على مصر، لطشت فيها يمين وشمال لحد ما رسيت على هنا".


لا يدري على الصعيدي البسيط بأن ساعات قليلة تفصله عن عيده الذي خصص له ولأقرانه دون غيرهم من فئات المجتمع، يتسائل "إيه عيد العمال ده.. أنا لا عامل ولا حاجة، أنا كل شغلتي في الحياة أخدم سكان عمارتي وآخد من كل شقة المبلغ الثابت كل شهر 25 جنيها".


على الجانب الآخر، ما زالت نظرات "جمعة الجميل"، موظف بإحدى شركات المعدات الطبية منذ أكثر من ثلاثين عاما، تحمل بريق أمل وشعاعا منيرا لغد أفضل ينتظره وينتظر كافة عمال مصر، "أنا نفسي كل موظف يعمل بما يرضي الله ووقتها هتحس بالعيد، وهنحس فعلا إننا بنكمل بعض". فلسفة الأب لثلاث فتيات جميعهن سلكن طريق العمل الأكاديمي في الجامعات، هي القناعة بأقل الإمكانات، مادام يعمل هو فيما يحب، ملقيا باللوم على دولة بات فيها مهندس الزراعة يعمل في معمل تحاليل طبية، على حد تعبيره.

مواطن بسيط لا طموح له ولا مزيد من الأحلام، "أنا 56 سنة كل همي أقضي السنوات اللي باقية لي في شغلي بالسمعة الطيبة اللي دخلت بيها ولا أملك غيرها".


عند المدخل الرئيسي لشارع مزلقان المنيب، اصطف الأطفال حوله مبتهجين، تداخلت أصواتهم الفرحة بقطع الثلج وهي تذوب في إناء التمر هندي الشهي، ليكسر صوته الغليظ هذا الضجيج، ويتراجع الأطفال للوارء مكونين طابورا منتظما، "أكتر من عشرين سنة وأنا واقف هنا في نفس المكان، بستنى الأطفال يخلصوا مدرستهم وييجوا عليا بفرحتهم وحماسهم، كلهم أولادي وخرجت أجيال من المدرسة دي".

عم أحمد بائع التمر هندي الذي قدم من إحدى قرى محافظة سوهاج النائية، وعمل بمهن بيع العرقسوس في دمياط والإسكندرية وبورسعيد والغردقة، "إحنا قريتنا كلها بتعملها ولما نزلت مصر مكنتش أعرف غيرها، جيت بعيالي الخمسة واستقررنا هنا من سنة 1998 في المنيب". بات عم أحمد، حجر الزاوية في شارع مترو الأنفاق، إذا غاب ساعة واحدة عن موعده الثابت في الثامنة صباحا، تنقلب الدنيا ولا تقعد، حتى يتعالى صوته متغزلا في "حلاوة التمر الهندي"، يهرع نحوه أطفال الحي.


أعلى كوبري الجلاء بمدخل حي الدقي، يقف إبراهيم 20 عاما، ابن محافظة الفيوم، متفحصا برميل المياه الذي تخللته حبات الرمل بفعل العاصفة الساخنة التي ضربت المنطقة منذ الصباح الباكر، يزيل العرق عن جبينه، قائلا: "أنا شغال تبع شركة مقاولات من 5 سنين، من يوم ما جيت من بلدنا بعد وفاة والدي وتحملي مسئولية 4 بنات، إحنا شغالين على ترميم مبان وكباري، والرزق الأيام دي كتير الحمدل له". الرضا والقناعة يكسوان وجه إبراهيم شديد السُمرة، "أنا بتمنى بس إن يجي لنا شغل باستمرار علشان أقدر لأبعت فلوس للناس في البلد، وربنا يصلح حالنا".
Advertisements
الجريدة الرسمية