رئيس التحرير
عصام كامل

المقال الغرقان


ينشغل معظم الناس بالتفكير في الحياة بعد الموت والسعادة التي تنتظرهم أكثر مما ينشغلون بالتفكير في الحياة قبله وما يسعدهم، وعندما فكرت مليًا في الصوت الذي يسعدني أكثر من "أم كلثوم" لم أجد سوى صوتًا تدفق الأموال من ماكينة البنك، ونظرًا لغيابه المستمر، فإنني أكتفي عادة بسماع أغاني كوكب الشرق التي كانت تطربني بالفعل عندما ازدادت السيول حتى قطعت الطريق وأصبح رجوعي إلى المنزل في صعوبة رحلات "جليفر".


وبعد أربعة عقود من تدفق صوت عبد الحليم حافظ عبر الإذاعة بكلمات نزار قباني "إني أتنفس تحت الماء إني أغرق" فقد تدفقت المياه بقوة في طرقات التجمع الخامس ومناطق أخرى في العاصمة.. وقد كتبت هذا المقال بعد توقف الأمطار لأنني خشيت على مقالي من الغرق، وأوراقي من البلل.

اكتشفت بعد انحسار الأمطار أن معظمنا اعتاد ثقافة كرة القدم في المناقشات حيث توجد الجماهير في مدرجات متقابلة لا يمكن الالتقاء بينهم، فبدلًا من مناقشة أزمة ازدحام الطرق وغرق بعض المناطق بشكل موضوعي لتفهم مدى جاهزية البنية التحتية أو حاجتها للتطوير أو استعداد أجهزة الدولة لمثل هذه الأزمات فقد وجد فريقان أحدهما استخدم الأمطار فرصة لمهاجمة أجهزة الدولة واتهامها بالتقصير، بينما اعتبر الفريق الآخر أن من واجبهم تفسير أزمة ازدحام الطرق وغرق بعض المناطق عبر نشر فيديوهات وصور لمناطق مختلفة حول العالم تتعرض للسيول من منطلق أن هذا الأمر شائع ويحدث في العالم أجمع، وهو منطق في التفكير يتبناه البعض عند مواجهة المشكلات لكن يتمثل خَطره الوحيد في أنه سيجعلنا دولة عظمى بعد ثلاثة آلاف عام فقط!

وعندما وجدت الجدل الدائر بين الفرق المتصارعة بلا أمل في تحكيم المنطق فقد قررت شراء عوامة، ومظلة، وبدء دروس السباحة بجانب طباعة صور الأمطار الشديدة في أمريكا وأوروبا ووضعها فوق زجاج منزلي لتغطية الشباك تمامًا، وذلك لكي تحجب عني رؤية موجة السيول القادمة التي لن نستعد لها طالما يحاول البعض تغطية مشكلاتنا عبر تبرير حدوثها في العالم أجمع.
الجريدة الرسمية