رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

إقالة محافظي القاهرة والجيزة أقل ثمن!


سقط مرضى كثيرون، بفعل الغيظ والضجر، وبفعل الشعور الطاغي أنهم رهائن أو محابيس على الطرق وفي البيوت وغرقت ملايين الجنيهات.. تحت سيول لم تشهد مثلها القاهرة ولا الجيزة، ولا محافظات أخرى كثيرة، شعر المصريون بالخوف، يرون الرعد والبرق وزمجرة السماء، فهرعوا إلى الاستغفار، وهرع نفر آخر إلى الشماتة في سكان المجتمعات الفاخرة المغلقة، وبادر كثيرون إلى بث فيديوهات تسللت فيها المياه إلى الجراجات وإلى الطوابق الأولى وعبر أبواب المصاعد، فضلا عن حمامات السباحة، وفي البث حمد أناس ربهم على فقرهم، وتساءلوا عن سر عقاب الأغنياء في التجمع والشيخ زايد!


وسخر آخرون أن المشهد يبدو مثل تيتانيك!

الذين حاصرتهم السيول على الطريق الدائري من العاشرة مساء حتى ما بعد الفجر، بلغ بهم الغضب حد صب اللعنة على البلد، ووصفه بالفاشل، مشاعر غضب منفلتة لا تجوز، وفي ذلك فيديو شهير لسيدة استنجدت بالسلطات فلم يعرها أحد اهتماما كما قالت، وبررت سر سخطها أنها وأمها وطفلها في عز البرد، والطفل بردان وجائع، وهي بعد مركونة في سيارتها مثل آلاف السيارات، بلا نجدة.

تكشف الكوارث عادة عن معادن الدول، كما تكشف المصائب في الغالب عن معادن الأشخاص، والحقيقة أن كوارث مصر بسبب الظواهر الطبيعية نادرة، فالزلازل نادرة، آخرها كان مرعبا وعشناه كلنا في العام ١٩٩٢، والسيول معروف خط سيرها سلفا، في سيناء وعلى الطريق الدولي وفي الصعيد، لكنها خدعت المسئولين واختارت أن تنحرف إلى الإسكندرية في أكتوبر ٢٠١٥ فجرفتها وجرفت معها محافظها المسيري.

وكما تكشف السيول العبوات الناسفة والألغام في الصحاري، سيناء نموذجا بفضل الله، فهي عرت نفوسا ناسفة فاسدة كثيرة، وضعت بنية مرافق صورية، لم تصمد أمام عنفوان مطر منهمر من السماء، الغريب أن مسرح المأساة الرئيسي هو التجمع الخامس، القاهرة الجديدة، شارع التسعين، حيث اشترى الناس بيوتهم بالملايين، فإذا هي مستنقعات فورية الظهور مع السيول!

كانت هيئة الأرصاد حذرت ونبهت، ومن الواضح أن محافظي القاهرة والجيزة اعتبرا أن المحافظتين الكبيرتين خارج نطاق المطر العنيف، فلم يتحسبا، بينما تحسب للسيول محافظون آخرون، استعدوا بالسيارات التي تشفط المياه، لكنها في الحقيقة لا تكفي.

تصميم وتنفيذ الشوارع الجديدة يكشف أنها بلا بالوعات جانبية، بل إن نفق السيارات الجديد بشارع التسعين بلا بالوعات جانبية، فصار حمام سباحة للسيارات، فما حال نفق الأزهر؟

فضحت السيول إذن مهندسي التجمع في الأحياء وفي شركات التنفيذ، واللص الأكبر الذي تسلم البنية الأساسية ووافق عليها باعتبارها الكمال والتمام.

ولن يرضى الشعب بغير معاقبة هؤلاء الفاسدين، وتقديمهم للتحقيق والمحاكمة، كما أن إقالة محافظي القاهرة والجيزة واجبة لتقاعسهما عن الاستعداد، ولا بد من محاسبة من أهمل في نجدة الناس على الطرق الدائرية وبين المحافظات.

من ناحية أخرى فإن الدرس القاسي الذي يجب أن نتعلمه من محنة هذه المنحة السماوية، لأن المطر أصلا خير وبركة، هو إجراء مراجعة شاملة ودقيقة لخرائط وتصميمات العاصمة الإدارية الجديدة، بمبانيها وأسواقها ومولاتها وشوارعها وميادينها، وهل روعي في التصميمات تنفيذ بالوعات شفط وتسريب المياه على النحو اللائق، أم ستكون المدينة العالمية "من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله"!

وهناك درس آخر وجب الالتفات إليه هو إعادة دراسة الخريطة الاستثمارية في منطقة العين السخنة ومدى صمود تربتها لظواهر مماثلة، حتى نتجنب تبديد المليارات تنجرف مع الرمال وتطمر تحتها.

أظن أن سيول القاهرة والمحافظات ستكنس محافظين ارتضوا الفرجة على كارثة أثارت سخط الشعب، وأهلكت ملايين الجنيهات في صورة خسائر في المباني والطرقات والسيارات والبضائع، ناهيك عمن روعوا في أعصابهم وأصابتهم الأمراض وحوصروا داخل سيارتهم وهم في أمس الحاجة إلى قرص دواء أو سيارة إسعاف!
Advertisements
الجريدة الرسمية