رئيس التحرير
عصام كامل

بين الثقافة والغرامة بون شاسع


الغرامة ليست شيئًا غريبا على الحياة في مصر فهي أسلوب للردع تستخدمه الدولة لمعاقبة من يخالف القانون أو التعليمات.. الغرامة أسلوب شائع في معظم الدول.

قوانين المرور في معظم دول العالم تتضمن غرامات على من يتم ضبطه أو تصويره أثناء مخالفته قانون المرور.. وهو أسلوب لا تكرهه الناس في جميع الأحوال، بل إن أسلوب دفع الغرامة الفورية – مثلما هو الحال في بعض مخالفات المرور في مصر– يفضله الناس لكونه يجنبهم الدخول في دوامات سحب الرخص واستعادتها بعد جولة في نيابة المرور المختصة.

لكن أسلوب الغرامة لا يصلح مع كل أوجه الحياة في مصر.. البرلمان وافق على فرض غرامة 10 آلاف جنيه على من يضايق السائح، والدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، قال في مداخلة لقناة DMC إن "الغرامة مش كفاية وكان نفسي يبقى فيه حبس مع الغرامة"، بل إن الدكتور زاهي حواس قال إن السائح يتعرض لمضايقات خطيرة وبخاصة في المناطق السياحية.

مطالبة الدكتور زاهي حواس بحبس كل من يضايق السائح تذكرني بمقولة "هكذا يجب أن تُحكم الشعوب".. دعوني أولا أجرد فكرة حبس من سياقها السياحي وقتها ستصبح القاعدة –وفق لرأي الدكتور زاهي حواس– أن يتم حبس كل من يضايق الآخر.. الغرامة أخف بكثير من الحبس، ولكنها لا تصلح لجميع المناحي والقطاعات ومن بينها القطاع السياحي.

فتطبيق الغرامة في بلدنا يتم "حسب الأحوال" وفي أوقات ما لا يتم تحصيل الغرامة وغض الطرف عن المخالف لأسباب مختلفة منها صعوبة فرض الغرامة على قطاع ما، ومنها الاستفادة من عدم فرض الغرامة من قبل من يفترض أن يقوم بتحصيلها.

جميع القطاعات في مصر التي تحتاج للتنظيم هي في حاجة لوجود ثقافة بين الناس التي تستخدم هذا القطاع.. ودعوني هنا أطرح مثالا على فشل الغرامة، فقانون المرور يفرض غرامة على كل من يقود سيارته دون الالتزام باستخدام حزام الأمان. سؤالي هنا، هل نجحت الغرامة في إجبار جميع أو معظم أو الفئة الأكبر من قائدي السيارات في مصر في استخدام حزام الأمان أثناء القيادة؟

الفارق بين قائدي السيارات في مصر وبين قائدي السيارات في الدول الغربية، هو أن قائد السيارة في مصر لا يضع حزام الأمان إلا عندما يشعر أنه من الممكن ضبطه، في حين أن المواطن في الدول الغربية يضع حزام الأمان قبل أن يدير موتور سيارته، هذا التعود على استخدام حزام الأمان أثناء القيادة ناتج عن ثقافة مرورية.

الالتزام بعدم مضايقة السائح سيتم الالتزام به من جانب المتعاملين مع السياح – كالبائعين والقائمين على أمر الجولات السياحية - في الأوقات التي يشتد فيها فرض الغرامة، ولكن مع مرور الوقت ستعود ريما لعادتها القديمة.

كما أن تنظيم الأماكن السياحية يمكن أن يحل مشكلة مضايقة السياح التي لن تحلها الغرامة؛ ففي تركيا، وفي جزيرة الأميرات تحديدا، تقوم الجولات السياحية على مبدأ الدور، حيث يصطف أصحاب العربات التي يقودها حصانان، ويركب السائح العربة، ثم يأتي الدور على التي يليها.. وفي الجزيرة نفسها يصطف البائعون في انتظار السياح.

قمت بزيارة شلالات نياجرا مرتين، عندما تحجز تذكرتك للصعود على القارب المتجه نحو الشلال، لا تجد من يقابلك من البائعين، أو حتى أماكن لشراء هدايا، هم يعرفون أنك متلهف لخوض تجربة الذهاب بالقارب على مقربة من شلالات نياجرا بكندا، لكن بعد عودة القارب من الشلال، تهبط من القارب أمام بوابة خروج لا يوجد غيرها، وما أن تدخلها حتى تجد نفسك في مركز تجاري به محال لجميع ما قد تفكر فيه من هدايا مرتبطة بشلالات نياجرا أو المنطقة بشكل عام.

عندما يتم تنظيم صناعة السياحة بالشكل الصحيح دون استغلال أو هضم حقوق أصحاب العربات أو البائعين، قد يقترح البرلمان إلغاء قرار فرض الغرامة على مضايقة السياح لعدم وجود مخالفات، أو هكذا أتمنى.
الجريدة الرسمية