رئيس التحرير
عصام كامل

المستهلك ضحية «صانعة البهجة»


عشنا سنوات طوال نظن أن الشوكولاتة من مصادر السعادة، وتفيد في بعض حالات القلق، فقر الدم، الربو وغيرها، فضلا عن أنها فاتحة للشهية. لكن لم نشك يوما أن "صانعة البهجة" لها جانبا مظلما تخشاه مصانع الشوكولاتة العالمية وتدفع مبالغ طائلة لعدم ظهوره إلى العلن، حتى لا تفقد بعض من أرباحها.


ارتبطت بذور شجرة الكاكاو لمئات السنين بعلاج أمراض كثيرة، منذ انتشارها على يد الغزاة الإسبان من قبائل الأولمكس وحضارة المايا والآزتيك بأمريكا الوسطى إلى أوروبا في القرن السادس عشر، إلى أن أصبح مشروب الشوكولاتة رخيصا بشكل كاف لينتشر بين العامة في القرن التاسع عشر، كما أنتجت الشوكولاتة الصلبة وتطورت إلى شوكولاتة بالحليب، ثم أضيف لها السكر والدهون لتتخذ شكل القوالب.

مع تحقيق شركات ومصانع الكاكاو ثراء فاحشا من المبيعات الهائلة، بدأت تظهر مضار الشوكولاتة، التي حذر منها علماء وخبراء التغذية والأطباء، ومنها زيادة السعرات الحرارية، تسوُّس الأسنان، زيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام، الإصابة بالإمساك لوجود كمية من الكافيين، تفاقم أعراض ارتجاع المريء لأن مسحوق الكاكاو الحمضي يُرخي العضلة العاصرة بين المعدة والمريء؛ فيؤدي إلى الشعور بالحَرَقة، ارتفاع معدل حساسية الجلد، اضطرابات النوم، زيادة احتمال تكوين حصى الكلى، القولون العصبي، والتهيج، والعصبية، الصداع النصفي. كما أن الشّوكولاتة تحتوي على مركبات يمكن أن تسبب تشوّهات خَلقية للجنين.

مضار الإفراط في استهلاك الكاكاو والشوكولاتة، يقابله أعراض أخرى نتيجة التوقف المفاجئ عن تناولها منها الصداع، العصبية، القلق، والدوخة، لأنها تحتوي على الكافيين الذي قد يسبب الإدمان.

نتيجة لهذا شهدت السنوات الأخيرة انخفاضا ملموسا في مبيعات الشوكولاتة في ظل زيادة وعي المستهلكين بمضارها واهتمامهم بصحتهم، وبالتالي خضعت الشوكولاتة لتحول آخر على أيدي خبراء ترويج العلامات التجارية، بعد استجابة الشركات لتصنيع مجموعة كبيرة من المنتجات يتم تسويقها بكلمات مثل عضوية أو طبيعية وغنية بالكاكاو، والهدف من ذلك واضح وهو أن تلك الشوكولاتة الجديدة محسنة، خصوصا إذا كانت داكنة، وبمعنى آخر مفيدة للصحة، وهو ما تقبله المستهلك على أنها "منتج صحي"، لكنها في الحقيقة ليست كذلك.

ولا يعرف المستهلك أن منتجي الشوكولاتة يمولون مراكز ومعاهد علوم التغذية بمبالغ كبيرة لإيجاد تفسيرات انتقائية لها تأثير مدروس وتصور منتجاتهم بشكل إيجابي، فمثلا يقولون إن الدراسات الأخيرة "كشفت عن أن مستهلكي الشوكولاتة أقل عرضة للإصابة بالنوبات القلبية، كما أن النساء اللاتي يأكلن الشوكولاتة أقل عرضة للإصابة بالسكتات الدماغية، وارتبطت المواد الكيميائية المستخدمة في الكاكاو والتي تسمى الفلافانولات بانخفاض ضغط الدم. كما تم ربط تناول الكاكاو الغني بالفلافانول بتحسين الحساسية ضد الأنسولين وأنماط الدهون وعلامات مرض السكري ومخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية".. وهكذا من عبارات الترويج غير المباشر دعما للمنتجات.

وقد نشرت نماذج من الدراسات الممولة من قبل مصانع الشوكولاتة في مئات التقارير الإعلامية، وكلها تبالغ في إظهار النتائج الإيجابية، وتتغاضى عن تفاصيل مهمة وثغرات، فمثلا تضمنت دراسة عن فوائد الشوكولاتة لمرضى ضغط الدم، أن تناول المشاركين للشوكولاتة منح كل منهم متوسط 670 ملليجرام من الفلافانول، لكن لم تشر الدراسة أنه للحصول على هذه الكمية من الفلافانول ينبغي على المستهلك تناول 12 قطعة وزنها 100 جرام من الشوكولاتة الداكنة، أو 50 قطعة من الشوكولاتة بالحليب يوميا!!

وتحدث الباحثون مرارا عن أنه عندما تدفع شركات الأغذية للعلماء، فإنها تشترط الحصول على نتائج تساعد في زيادة مبيعاتها وأرباحها، إضافة إلى مشكلة أخرى تكمن في أن المشاركين بدراسات الشوكولاتة يعطون نتائج إيجابية عنها، لأن معظم الناس لديها توقعات إيجابية عن الشوكولاتة لأنهم يحبونها، ما يؤثر في حكمهم السريع على المنتج، الذي ينشر فيما بعد للعامة على أنه نتيجة لدراسة علمية.

وترجع عدم دقة هذه الدراسات كذلك إلى قصر مدة مراقبة صحة المشاركين أثناء تناولهم للشوكولاتة بشكل يومي فضلا عن قلة عددهم في الغالب، إضافة إلى تناول المشاركين في الدراسة للشوكولاتة بجانب الأطعمة الأخرى ما يضيف صعوبة أخرى أمام علماء التغذية لفصل آثار الشوكولاتة عن الأطعمة الأخرى على الجسم، وهكذا تجتمع الأسباب ليصبح المستهلك ضحية على الدوام.
الجريدة الرسمية