رئيس التحرير
عصام كامل

محمد غنيم يكتب: الإسلام والغباء والمارقة

محمد غنيم
محمد غنيم

يقول المتنبي: "لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها"، وفي كتاب الحمقى والمغفلين لابن الجوزي ذكر "عن أبي إسحاق قال‏:‏ إذا بلغك أن غنيًا افتقر فصدق وإذا بلغك أن فقيرًا استغنى فصدق، وإذا بلغك أن حيًا مات فصدق وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلًا فلا تصدق‏"، فالحمق والغباء من الصفات التي لا دواء ولا علاج يُرجى لأصحابها، وهي أشد ضررا من الأمراض العضوية والفيروسات المعدية، ذلك لأن ضررها لا يلحق بصاحبها وحده وإنما يتأذى بها كل من يراهم أو يتعامل معهم.


وإني أحزن كثيرا وأنا أقول إن مئات العاملين في الدعوة الإسلامية في الخمسين عاما الأخيرة هم من الحمقى والمغفلين، وقد زاد الأمر سوءًا بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ الغباء يطفو على السطح ويظهر ويتفشى وينتشر، وهذا في نظري أخطر من تفشي الجريمة والشر، فالثانية يسهل التغلب عليها، أما الأولى فكما قال الروائي والرسام الأمريكي هنري ميلر: "بإمكان المرء أن يقاتل الشر ولكن ليس بإمكانه أن يقاتل الغباء".

دافعي في قول ذلك هو الآلاف من المشاهدات والمعاينات منذ طفولتي، وقد نشأت مولعًا بالتقرب إلى علماء الدين والشيوخ، أقبل أيديهم وأعد هؤلاء الناس هم صفوة السلالة البشرية وأنقى ما أنجبته بطون الأمهات، وعندما كنت في الصف الثانوي وصلت بعقول هؤلاء إلى تكفير أبي لأنه حليق اللحية، وأمي لأنها ليست منتقبة، وجدي لانتمائه لإحدى الطرق الصوفية أنظر للمدخنين على أنهم وقود النار في جهنم.

سمعت من أحد المشايخ يقول: "إذا رأيت مدخنا فلا تلق عليه السلام لأن هذا الشخص مقيم على المعصية وبإلقائك السلام عليه فأنت تقره على معصيته وبذلك فأنت تشاركه في المعصية"، سمعت آخر يقول: "إذا جاءك ضيف إلى بيتك ورأيته يخرج سيجارة فاطرده قبل أن يطرد هو بمعصيته الملائكة من بيتك"، يستشهدون في كل كلمة يقولونها بآية من القرآن أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تملك من أمرك إلا أن تقتنع بما تسمع، {صم بكم عمي فهم لا يعقلون}.

ومن فضل الله على أهل مصر أن حدثت ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 لتبدأ الأقنعة في السقوط، ويظهر العديد من المشايخ في صورتهم الحقيقية، وتتوالى الأحداث ويتوارى الكثيرون خلف غبائه وحماقته، ويجد الإعلام وجبة شهية وصيدا ثمينا سهلا أمامه كي يبدأ في تكسير عظام من ينتسبون إلى الإسلام بمظهرهم وطريقة كلامهم، ويتغذى كل صاحب مصلحة على غباء من ادعوا لأنفسهم العلم الشرعي والفقه الديني وحملوا على عاتقهم الحديث باسم الله وباسم رسول الله وباسم الإسلام.

بعض الشيوخ عندما لم يجد ضالته في سوق الشياخة ولم يعد رائجا كما كان فترة شريط الكاسيت الإسلامي، بدأ يخلع عمامته وغترته وعباءته ويرتدي ثوب المدنية والحداثة ويتكلم عن الدين اللذيذ بأسلوب «كيوت»، يغير من جلده كما تغير الثعابين جلدها كل ثلاثة أشهر.

يتكلمون عن الزهد والرقائق وبعد المحاضرة الرقراقة ينتظرهم السائق في الخارج ليركبوا سيارتهم الفارهة يذهب بهم إلى فيلا العبور أو التجمع أو عمارة أكتوبر حيث يسكن الزوجات الأربعة كما شرع دينهم، فتدرك أن الدين أصبح بين أيدي مجموعة من الأغبياء الذين لا شاغل لهم سوى الشهرة والظهور والصوت العالي وتسخير البسطاء لمصالحهم وتسيير حياة الناس وفق ما يعتقدون لا كما ينبغي أن يكون ظنًا منهم أنهم بذلك يقيمون شرع الله، والله ورسوله والإسلام براء من هؤلاء الأغبياء.

منذ فترة تداول نشطاء فيس بوك منشورا لأحد الشيوخ يضع صورة للاعب المصري محمد صلاح وهو بين أبناء قريته بعد صلاة العيد وعلق هذا الشيخ على الصورة ساخرا من مظهر صلاح وكتب "المفروض المحترم لما يبقى غني ينضف ولا يبقى وسخ؟ المهنة: لاعب مليونير"، وتغافل هذا الشيخ عن أن هذا المليونير ترك أوروبا وجاء يقضي إجازته في قرية نجريج في بسيون بين أهله وأصدقائه وتغافل عن كثير من الأعمال الخيرية والمساعدات التي يقدمها محمد صلاح.

تغافل عن قوله تعالى {لا يسخر قوم من قوم} لينشر غباءه على صفحته ليكون سببا في تعليقات أشخاص مسلمين يسبون الدين ويسبون هذا السمت الديني، بينما محمد صلاح يجعله الله سببا في اعتناق غير المسلمين لدين الإسلام.

وأذكر أنه في اليوم ذاته لوفاة الدكتور أحمد خالد توفيق الروائي والكاتب المقرب لقلوب كثير من الشباب، رأيت أيضا منشورات متداولة لشيخ كتب على صفحته: "مش قادر أصدق إن فيه مسلم ممكن يضيع وقته في قراءة رواية"، ومنشور آخر بعده بدقائق "الرواية ما هي إلا نسج خيال بنى آدم خيبان أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه".

ويشتد التحدي من الشيخ المناضل من أجل رفع راية الإسلام وجلب مزيد من الشتائم والسباب له ولدينه، ويكتب: "فإذا فرغت فانصب مش تقرا رواية"، بكل ما يحمله عقل هؤلاء من غباء وسوء اختيار للوقت وسوء تأدب مع الخلق وعدم احترام لمشاعر الشباب، والمؤمن ينبغي له أن يكون كيسا فطنًا، وهؤلاء لو صدقوا الله في إيمانهم وتقواهم لرزقهم الكياسة والفطنة.

هؤلاء الشيوخ انتقلوا من كونهم وسيلة هداية للمسلمين إلى وبال وبلاء على المسلمين، أصبحوا فتنة لعوام الشباب كأن الله يختبر ثبات المسلمين على دينهم بوجود أمثالهم، ليكون القابض على دينه كالقابض على الجمر.

يرى الشباب من يزعمون أنهم علماء وشيوخ يكرِّهونَهم في دينهم، فيسأل الشاب نفسه: وما يجبرني لأعتنق دين هؤلاء الحمقى؟ وما يجعلني أعتنق هذا الدين الذي يحمل كل هذه الأفكار الغبية التي لا صلة لها بعقل ومنطق؟ أين الرحمة التي أرسل الله بها النبي محمد؟ وأين الدين من حياتنا المعاصرة بما يتناسب مع ظواهرها ومجرياتها وتطورها؟ ما كل هذا التخلف والغباء والجمود والتحجر والهراء والاستخفاف بالعقول؟ فكيف نتعجب عندما نرى البنات يخلعن حجابهن، والشباب يلحدون، والعشرات يمرقون من الدين.

في النهاية فإن مع البحث والقراءة والاجتهاد في الوصول إلى أصل الدين وجوهره والتعرف به انطلاقا من الفهم الصحيح ومصادره الصحيحة، يتثبت المسلم بأن دينه لا صلة له بعقول الأغبياء، وأن الرسول قد أخبر عن كل هذا، وأن الإسلام سيعود غريبا كما كان، وأن المسلمين سيكونون كغثاء السيل، وأن الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رءوسًا جهالًا، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلوا"، وفي حديث آخر قال: "فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

Advertisements
الجريدة الرسمية