رئيس التحرير
عصام كامل

محمد الصاوي نجل وزير الثقافة الأسبق: والدي لم يحتفظ بهدية تلقاها كوزير وسجلها بمحضر رسمي

فيتو

  • والدي كان يهاجم الملك فاروق.. وهرب لإنجلترا خوفًا من الاعتقال
  • الأفكار رزق.. و"الساقية" عطية من الله.. وأدرس إعادة طبع كتب الوالد
  • منع «كايروكي» وفرق الأندرجراوند حلول عشوائية وغير مدروسة
  • 30 مليون تكلفة أقل قصر ثقافة وفي النهاية يغلق دون استفادة
  • أتمنى إلغاء سنوات الشهادة والامتحانات في التعليم


تولى حقيبة "الثقافة" لمدة وجيزة، لم تزد على 9 أيام، ومع ذلك فهو يفخر بذلك.. إنه المهندس محمد عبد المنعم الصاوي، واحد من الذين لمع اسمهم وارتبط باسم والده، بالتحديد عقب فترة توليه وزارة الثقافة، في 20 فبراير 2011 في وزارة أحمد شفيق، التي تشكلت أعقاب ثورة يناير، خلفا للدكتور جابر عصفور، ليجلس على الكرسي نفسه الذي جلس عليه والده لسنوات عديدة، بجانب خوض نفس تجربته بالترشح للبرلمان، وحرص على تخليد اسم والده، بإطلاق اسمه على أكبر مركز للإشعاع الثقافي في مصر والمنطقة "ساقية الصاوي".

تعرض «الصاوي» خلال رحلة الحياة للعديد من الإخفاقات والنجاحات، وبصعوبة وافق على أن يفتح، للمرة الأول، خزينة أسرار الأب عبد المنعم الصاوي، والدروس التي استقاها وتعلمها منه، إضافة إلى رؤيته للنهوض بالثقافة في مصر.. وإلى نص الحوار...

• في البداية.. نريد أن نتعرف منك على والدك بشكل أكثر تفصيلًا؟
- عبد المنعم الصاوي ولد في فبراير 1918، وكان رجلا بسيطا للغاية، تربى في بيئة ريفية، بقرية كنيسة الضهرية بمحافظة البحيرة، عمل كاتبا صحفيا، وخلال حياته تقلد العديد من المناصب القيادية، واختير دورتين متتاليتين نقيبا للصحفيين، وشغل منصب رئيس تحرير صحيفة الجمهورية، وكان أول من أسس أول وكالة أنباء عربية، وسميت في ذلك الوقت وكالة أنباء مصر، كما أسس أيضا اتحاد الصحفيين الأفارقة، وتولى رئاسته حتى توفاه الله.

عُيِّن الصاوي وزيرًا للثقافة والإعلام في عام 1977، كما عمل رئيسًا لمؤسسة المسرح والموسيقى، ورئيسا لمركز مطبوعات اليونسكو، وانتخب عضوا في مجلس الشعب عن دائرة الأزبكية والظاهر، ثم وكيلا للمجلس عن الدورة نفسها، وكرمته الحكومة الفرنسية بوسام الفنون والآداب، هذا على المستوى الرسمي، أما ما لا يُعرف عنه، فإنه كان يتمتع بشخصية قوية، وكان مدرسا بطبعه، فتميز بروح العطاء وتعليم كل من حوله، وكان يخشى أن يختزن المعلومات التي أكرمه بها الله، فعندما كان يجلس بمكتبه كان يلتف حوله العديد من الشباب لمناقشته في العديد من القضايا الفكرية، وكان يستمتع كثيرا بتلك المناقشات، حيث كان يرى أن التجول بين عقول الشباب يعني رؤية المستقبل.

• حدثنا عن عبد المنعم الصاوي الأب.. وما أهم شيء تعلمته منه؟
- كان الصاوي أبًا لا مثيل له، وعلى الرغم من شخصيته القوية فإنه كان يترك لنا حرية اختيار الأشياء التي نحبها ونحن صغار ويدعمنا فيها، وذكرياتي معه ليس لها حدود، وأكثر ما يؤثر فيَّ هو حديثه اليومي معنا عن عمله أثناء سيرنا بالطرقات، وكيف كان يرسخ في داخلي القيم الأخلاقية بطريقة غير مباشرة، وأتذكر الآن تلك المقولة التي تقول «المبادئ لا تسقط بالتقادم»، هذه حقيقة وتنطبق على فكر والدي، فكان الصاوي يعيش بمبدأين هما النزاهة والشرف، وأتذكر عندما كنت صغيرًا أنه لم يدخل منزلنا هدية واحدة أثناء توليه للمنصب الرسمي، وكان يأتي باثنين من وكلاء الوزارة، لتسجيل الهدايا التي جاءته من خلال محضر رسمي، حتى ترك الوزارة، وجميع المحاضر مسجلة.

• على الرغم من أن الصاوي كان يتمتع بشخصية قوية فإنه كان يخشى «الثعابين».. فما قصتها في حياته؟
- ضحك الصاوي الصغير قائلا: بالفعل «الثعابين» من الأسرار الخفية التي لا يعرفها أحد عن والدي، فكان يخاف منها بشدة، فقد وصل الأمر إلى أنه إذا رأى ثعبانا في مشهد تليفزيوني يدير وجهه بسرعة، مطالبًا بتغيير القناة خوفًا من مشاهدته، وهذا الخوف يرجع إلى أنه كان يعيش في قرية ريفية فقيرة، وكانت الثعابين تشكل كابوسا في حياة الأطفال آنذاك.

• هل ترى أن عبد المنعم الصاوي حصل على التكريم المناسب له من جانب الدولة؟
- بالطبع لا.. فالدولة لم تكرم والدي على الإطلاق رغم إنجازاته، فإن الله رزقنا بمركز ساقية الصاوي الثقافي لتخليد اسمه، وتكريم الصاوي الحقيقي جاء من الشعب، لذلك نسعى لإعادة نشر كتبه مرة أخرى، بعد أن تحدثت مع المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق بهذا الخصوص، وتحقيق رغبة وطموح والدي بوجود كتبه في الأسواق، وأن تكون في متناول يد الجميع.

• خضت نفس تجربة والدك بتولي حقيبة الثقافة لكنها كانت لمدة 9 أيام فقط.. هل ندمت على ذلك؟
- على العكس تماما، كان شعورا جيدا للغاية بجلوسي على الكرسي نفسه الذي جلس عليه والدي، ولم أندم عليها لأنني كنت أسعى لتنفيذ عديد من الأفكار.

• وما الأفكار التي تتحدث عنها؟
- أهمها فتح جميع قصور الثقافة المغلقة، لأن مصر بها 500 قصر ثقافة مغلق وغير مستغل بشكل صحيح لنشر الوعي والثقافة في المحافظات والقرى البعيدة عن مركزية العاصمة، والسبب المنطقي جدًا لغلقها أنها غير آمنة على مستوى الحماية المدنية وخلافه، لكن من الممكن فتحها للبروفات وليس للجمهور، فتكلفة أصغر قصر ثقافة تقدر بنحو 30 مليون جنيه، وكنت قد اطلعت على هذه الإحصائيات أثناء وجودي بالوزارة والبرلمان، لذلك لم أجد دولة تفعل ما نفعله في أنفسنا، ولا يعمل من المرافق الحكومية إلا أعداد محدودة جدًا.

• من وجهة نظرك.. ما السبب الحقيقي وراء ذلك؟
- السبب أن الحكومة "تكذب" عندما تقول إن الثقافة من أولوياتها، لأن الثقافة في مصر "تكملة شكل"، وجميع المسئولين المتعاقبين يتحدثون عن أهمية التعليم والصحة، ولا ينظر أحد منهم لـ«الثقافة» على الرغم من أنها حل لجميع المشكلات في المجتمع، لكن الأزمة نفسها تتكرر في التعليم، فالطلاب يريدون دخول الامتحان من أجل الحصول على ورقة بعنوان «شهادة» وليس من أجل تلقي العلم، ولو كان الأمر بيدي لألغيت فكرة الشهادات في مصر، وركزت على فكرة التعليم فقط وليس الامتحانات.

• هل تعشق الحياة الحزبية مثل والدك؟
- والدي كان مقتنعا أنه لا مكان للديمقراطية دون التنافس الحزبي، والطبيعي أن نظام الدولة يدار بالتعاون الفكري، وليس بعقلية واحدة، لذلك كان الصاوي مقتنعا بأهمية الحياة الحزبية التنافسية، لأنها تخلق نظامًا سياسيًّا قويًّا لا يهتز مع الأزمات، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية.. ومن أخطاء جمال عبد الناصر أنه عندما حل الأحزاب وصفها بقوله إنها «تسعى للحكم»، فالطبيعي للأحزاب أن تسعى للحكم، لكن عند عودتها في عصر أنور السادات لم تكن بدايتها حقيقية إنما كانت مصطنعة.

• كيف أنقذ عبد المنعم الصاوي آثار النوبة؟
- "آثار النوبة" موضوع كبير للغاية، ويجب أن نعود لمراجع منظمة اليونسكو، لكن باختصار عند إنشاء السد العالي وبحيرة ناصر لتجميع المياه خلفه، كانت الآثار أسفل السد والخزان، لذلك كان لا بد من تقطيع الجبل لمكعبات ورفع الآثار لمنطقة الأعلى حتى لا تغمرها المياه، وهو ما استوجب حضوره وانشغاله بشكل دوري لإنقاذ الآثار الموجودة الآن بمعبد أبو سمبل.

• ولماذا سافر والدك إلى إنجلترا لفترة طويلة؟
- كان ذلك بناء على نصيحة بعض الأصدقاء المقربين من والدي، فالصاوي كان ينتقد حياة الملك فاروق نقدًا لاذعًا في جميع مقالاته المنشورة بجريدة المصري، متناولا فكرة علاقة الملك بالاحتلال وتأثيرها على الأوضاع السياسية والاجتماعية للمصريين، وبسبب شدة هجومه على الملك، طلب منه البعض أن يسافر لإنجلترا خوفًا من تعرضه للاعتقال في هذه الفترة، وهو ما رضخ له في نهاية الأمر.

• تعد ساقية الصاوي أكبر مركز ثقافي الآن داخل مصر.. فكيف جاءت فكرة تأسيسها؟
- أولًا الأفكار رزق، وساقية الصاوي أحد عطايا الله، التي حصلت عليها، وكانت بداية الفكرة أثناء وجودي في النفق المجاور للساقية من أجل الحصول على إعلانات على الجدران، وشاهدت وقتها المكان لتأتي من هنا فكرة تأسيسها دون تفكير، فكان المكان أشبه بـ«خرابة» ممتلئًا بالقاذورات والقمامة، فألهمني الله بفكرة إقامة مسرح بنفس المكان، ليصبح بعد 13 عامًا من إنشائه، المنارة الثقافية الأوسع في مصر، التي تشع بالعلم والمعرفة وتنشر الحب والسلام بالموسيقى وجميع الفنون، بعد أن كان المكان «وكرًا» لمدمني المخدرات.

• نريد منك أن تكشف للجمهور سبب إلغاء حفل كايروكي مؤخرًا بالساقية؟
- الموضوع ليس سرًّا، وببساطة فريق«كايروكي» لم يحصل على تصاريح لإحياء الحفل، لذلك صدر قرار الإلغاء في اللحظات الأخيرة، بالإضافة إلى أزمة ألبومه الأخير «نقطة بيضا»، وحصوله في النهاية على جميع الموافقات والتصاريح من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وأتعجب من مطالبتهم دائما بالتقدم لطلب التصاريح لغناء نفس أغانيهم عند إحياء كل حفلة.

• وهل منع فريق «كايروكي» ومصادرة أغانيهم هو الحل؟
- لا أرى ذلك.. فهذه الحلول عشوائية وغير مدروسة.. ولا أريد التورط أكثر من ذلك.

• الكثير من الجمهور كان يشكو من شدة الازدحام في الحفلات الكبيرة.. فما الحل؟
- بالفعل من حق الجمهور أن يشكو، فالأعداد غفيرة مع الحفلات الموسيقية والغنائية خصوصا مع حفلات الفرق الشبابية، لكني لا أملك حلًّا واقعيًّا الآن، فأنا بين أمرين؛ الأول يتعلق بمحدودية مساحة الساقية، ولا يمكن زيادتها مع الإقبال الكبير من جانب الجمهور الذي لن أستطع منعه من القدوم.. فماذا أنا فاعل؟!

• البعض يرى أنك أنشأت «ساقية الصاوي» بهدف الحصول على مكاسب مادية تحت غطاء ثقافي.. فما تعليقك؟
- من يرى ذلك فهو مخطئ، فقد أنشأتها بغرض عمل تنمية ثقافة حقيقية في المجتمع، ففي وقت تأسيس الساقية لم يكن هناك مركز ثقافي يفتح أبوابه للمثقفين، ويحتضن جماهير الشباب من خلال الندوات الثقافية والحفلات الغنائية، فقاعدة كسب المال غير موجودة، وليست الهدف والدافع الأساسي لإنشائي للساقية، وأتذكر مقولة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عندما قال «التعليم كالماء والهواء»، ولا بد أن تصبح الثقافة كذلك لحماية الأجيال المقبلة من أخطار الفكر المستورد من الخارج.

• بصفتك مؤسس أكبر مركز ثقافي داخل مصر.. كيف يمكن تجديد الخطاب الثقافي خلال المرحلة المقبلة؟
- أولا: لا بد أن تعترف الدولة أن الثقافة أحد ضروريات الحياة بالنسبة للمواطن كالمأكل والمشرب، من خلال وضع إستراتيجية محددة الأهداف ومقسمة بتوقيت زمني محدد للتنفيذ، مع مراجعة التشريعات الخاصة بالنشاط الفني الثقافي، وعلى رأسها تخفيض قيمة الضريبة المضافة، التي من شأنها إنعاش الحركة الثقافية.

ثانيا: لا بد أن تتحلى وزارة الثقافة بشكل خاص والقطاعات الحكومية بشكل عام بالمرونة والسرعة في إعطاء التصاريح للفنانين والمبدعين للعمل على مشاريعهم الفنية المختلفة، بالإضافة إلى إعادة النظر فيما نقدمه من محتوى ثقافي وفني من خلال قصور الثقافة المنتشرة في جميع المحافظات، فقصور الثقافة هي الذراع الأطول لوزارة الثقافة التي ما زالت تعاني حتى الآن غياب الإستراتيجية وتحقيق المرجو منها.

• ما رسالتك الأخيرة للجمهور؟
- أريد توجيه رسالة لجمهور الساقية، هي أننا نسير بنصائحهم، ولا نغضب من فكرة النقد، بل نعتبره محاولة للتجديد والتحسين، ومن لديه أفكار جديدة ننتظر منه أن يرسلها إلينا لمناقشتها وتنفيذها في حالة الاتفاق عليها.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية