رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رعد بلا مطر


وقود الكاتب هو القراءة لذلك يحتاج أحيانًا إلى وقفات للاستعداد.. يدخل المكتبات لأنها محطات البنزين الخاصة به.. وأكشاك الكتب يراها أماكن لضبط توازن أفكاره. قبل عشرين عامًا حملت رياح الصيف خبر وفاة "نزار قباني".. وقتها كنت صغيرًا فلم أستوعب قسوة الخبر ولكن سنوات قليلة أخرى كانت كافية لكي أفهم أن رحيله أسوأ من حرارة ليالي الصيف مجتمعة.


في واحدة من أشهر قصائده "متى يعلنون وفاة العرب" كتب قائلًا: (أنا منذ خمسين عامًا/ أراقب حال العرب/ وهم يرعدون، ولا يمطرون/ وهم يدخلون الحروب، ولا يخرجون/ وهم يعلكون جلود البلاغة علكا.. ولا يهضمون).

ومن التساؤل حول ميعاد إعلان وفاة العرب إلى تساؤل لا يقل أهمية طرحه مجموعة من كبار الكتَّاب بعد عام واحد فقط من انتصارنا العظيم في أكتوبر على العدو الإسرائيلي وهو (ماذا بعد حرب أكتوبر؟).. وبعد مرور أربعة عقود على صدور ذلك الكتاب إلا أنه لا يزال يمثل وثيقة مهمة حيث يضم مجموعة من المقالات التي تحاول الإجابة على الاستفسار السابق عبر أقلام الأساتذة مصطفى أمين، صالح جودت، فتحي غانم، محمود عوض وغيرهم..

ولكنني توقفت تحديدًا أمام مقال الكاتبة الكبيرة "أمينة السعيد"، والتي أشارت خلاله إلى أن قضيتنا مع إسرائيل تمثل قضية حضارية بالدرجة الأولى.. حيث يشير المقال إلى أن العالم المتحضر استطاع بتفوقه العلمي والاقتصادي والاجتماعي أن يحقق للمجتمع الإنساني انتصارات كبيرة، بينما الشعوب العربية كرمها الله بثروات وموارد طبيعية هائلة لكن بفعل جهلها عجزت عن المساهمة في خدمة المجتمع الإنساني وحولت نفسها إلى عبء ثقيل يرهق كاهل العالم المتقدم حتى أصبح العالم يرانا قد فقدنا "حق البقاء" بمعناه الأدبي، وأصبح من واجب الأقوياء المتقدمين أن يرثونا ونحن لا نزال على قيد الحياة لكي يتولوا عنا مهمة تسخير خيراتنا في خدمة الحضارة.

هذه العبارات السابقة، المقتبسة من المقال، قدر قسوتها إلا أنها لا تختلف كثيرًا عن نظرة الغرب لنا اليوم.. فالعدوان على سوريا وقبلها العراق.. يتشابه مع عدوان أوروبا على ليبيا.. وجميعها حلقات من مسلسل العدوان الغربي علی الشعوب العربية الهادف للحصول على "ميراث" رجل لا يزال على قيد الحياة.. محاولات مستعجلة للاستيلاء على "التركة" قبل الإعلان الرسمي لوفاة المريض.

ولكن يبقى هناك أمل في ألا يعلنون وفاة العرب بشرط البدء فورًا في ثورة فكرية وعلمية تتخلص من عباءة الجهل والتطرف التي ارتديناها لسنوات حتى انطبعت على جلودنا وكادت أن تُفقدنا هويتنا وفطرتنا الحقيقية عندها سنتذكر تاريخنا المشرف ونبدأ في مشاركة العالم انتصاراته الإنسانية لكي تتاح لنا فرصة هزيمة أعدائنا بدلًا من انتظار لحظات النهاية.
Advertisements
الجريدة الرسمية