رئيس التحرير
عصام كامل

محمد غنيم يكتب: صلاح فارس الأحلام المستحيلة

محمد صلاح
محمد صلاح

فخر لتلك الكلمات أن تحظي بشرف الحديث عن النجم المصري المتلألئ في سماء إنجلترا، الذي يعد نقطة بيضاء وعلامة مضيئة بتاريخ مصر الحديث، حيث تحقيق الأمجاد باللعبة الأشهر بالعالم، والسطوع في عالم الساحرة المستديرة في مشهد هو الأروع والأجمل يجعل كل مصري فخورا بحمله جنسية محمد صلاح.


منذ فترة قريبة رحل عن عالمنا الكاتب الكبير الدكتور أحمد خالد توفيق (رحمه الله)، وكان من أحلامه أن يقال عنه بعد رحيله "جعل الشباب يقرأون"، وقد تحقق له ذلك بما له من شعبية جارفة وحب كبير في قلوب الشباب، حيث استطاع أن يصل إلى شغفهم، ويصبح الملهم لهم بكتاباته ليجعلهم يقرأون.

وأنا أقول إن محمد صلاح "جعل الشباب يحلمون"، ويصدقون أن الأحلام قد تتحقق بالفعل على أرض الواقع، والمتابع لتسلسل المراحل بحياة صلاح والتدرج الطبيعي للإنسان من النقطة صفر ثم تحديد الهدف ثم معرفة أول الطريق ثم الإصرار على المحاولة والتجربة، ثم الحلم وتحقيقه، ثم تتابع النجاحات الواحد تلو الآخر، وعدم السقوط أو التراجع أو الاستسلام، سيجد أن صلاح بذلك يرسم الطريق لعشرات سيأتون بعده من الأجيال القادمة تتخذ من صلاح نموذجا وقدوة يسيرون على خطاه.

ابن قرية نجريج التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية على أعتاب الوصول إلى نهائي البطولة الأهم بالعالم دوري أبطال أوروبا، وعلى أعتاب الحصول على الحذاء الذهبي كأفضل هداف في جميع الدوريات الأوروبية، وهداف الدوري الإنجليزي الأصعب والأقوى بالعالم، وعلى أعتاب الحصول على جائزة أفضل لاعب في الموسم الكروي بإنجلترا.

أرقام تتحطم بأقدام صلاح، ويسجل أرقاما جديدة كأول لاعب مصري وعربي يحقق ذلك، وإحصائيات تشهد بأن ابن النيل غزا ملاعب أوروبا بنجاحاته،  وأن المستحيلات– أو ما كنا منذ زمن ليس ببعيد نعدها كذلك– أصبحت مع صلاح ممكنة ونراها تتحقق.

مباراة يشارك فيها صلاح تمثل حدثًا مهمًا يفرغ المصريون أوقاتهم من أجله، حدث لا يتكرر سوى في لقاءات القمة بين الأهلي والزمالك أو مبارياتهم الكبيرة في بطولات أفريقيا أو اللقاءات المهمة للمنتخب المصري، أضف إلى ذلك الآن أي مباراة يشارك فيها محمد صلاح، فيتابع المصريون تحركاته ولمساته للكرة كأنه يداعب قلوبهم ويحركها ويضعها داخل المرمى، لينتفض الجميع من مكانه رافعا رأسه، يرون في صلاح حلمهم الذي يهزم كل مستحيل، ويعصف بكل أنواع الفشل والإحباط، صلاح يرسم الابتسامة على وجوه المصريين بهدف يحرزه، ولقب يحققه، ورقم يحطمه وجائزة يحصل عليها.

«عقدة الخواجة اتحلت بين أقدامك يا صلاح»، ورأينا أطفال إنجلترا يركعون أمام الفرعون المصري، فغالبا ما كان يشعر المصريون بأن كل ما هو أجنبي يستطيع فعل ما لا يفعله العربي، أساطير الكرة المصرية عبر تاريخها لم يصبحوا من أساطير الكرة العالمية، ظلوا نجوما في أذهان وقلوب المصريين والعرب والأفارقة، وكانت لقطات التفوق على الكرة الأوروبية ومضات عابرة في تاريخ مصر، مثل لقاءات الأهلي والزمالك وديًا مع الفرق الأوروبية، أو مشاركات الأهلي بكأس العالم للأندية، ومثل مباراة مصر وهولندا في كأس العالم 1990 وهدف مجدي عبد الغني، ومثل مشاركة مصر في بطولة كأس القارات عام 2009 في جنوب أفريقيا والأداء التاريخي للجيل الذهبي لمنتخب مصر والذي فشل في الوصول إلى كأس العالم، أما محمد صلاح فقد خرج من دائرة المقارنات مع سابقيه، فإذا أردت أن تقارن بين صلاح وغيره فضع معه في المقارنة أحد نجوم العالم، لأن تلك المكانة التي وصل إليها صلاح لم يتمكن لاعب مصري غيره أن يصل إليها محطمًا أكذوبة تفوق الأجنبي على المصري.

بذكاء كبير وبتوفيق من الله يدير صلاح حياته، فتحقيق الأحلام ليس مستحيلا، ولكنه صعب ويحتاج إلى عمل شاق وتحمل وصبر واجتهاد، ثم يأتي التوفيق من الله، هذا التوفيق قد يكون مبررا لبعض الأشخاص يجعلونه شماعة لفشلهم، وأن فلان محظوظ فلولا كذا وكذا ما استطاع أن يحقق ما حققه، هذا مسكن ومهدئ طبيعي يستخدمه المحرومون لإرضاء أنفسهم، ويقتنعون بذلك جدا، ولو أتيت إليهم بالحظ والتوفيق نفسهما الذي يدعون أنهما السبب في نجاح فلان، قد تجدهم يضلون الطريق ويتشتتون بعيدا عن إصابة الهدف.

بين صلاح المقاولون، وصلاح ليفربول، عمل كبير وتطور مذهل يكاد يصل إلى الإعجاز فيما يصنعه النجم المصري حاليا، ابن الخمسة والعشرين عاما وصل بمنتخب بلاده إلى كأس العالم بروسيا 2018، ولا أظن أن منتخب مصر بوجود صلاح سيكون صيدا سهلا للفرق الأخرى، كذلك لن يخرج صلاح هذا الموسم من دائرة أفضل ثلاثة لاعبين في العالم، ولن نندهش إذا رأينا صلاح يرتدي قميص الريـال أو برشلونة، فقد أثبت صلاح بجدارة وتفوق غير مسبوق أنه حقًا «فارس الأحلام المستحيلة».
Advertisements
الجريدة الرسمية