رئيس التحرير
عصام كامل

محمد محمود يكتب: «اللهم بلغنا رمضان»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مهما حاولنا البدء من جديد في مواسم أخرى كبداية العام أو بدء السنة الدراسية أو غيرها، يبقى لموسم رمضان ميزة خاصة في التغيير والانطلاق، فموسم رمضان هو الطريقة الربانية للتغيير، وكأن الله يقول لنا: لمدة 30 يومًا متواصلة سأفرض عليكم التغيير، عليكم بالصيام (وهو تغيير يتطلب الكثير من الإرادة مما يساعدنا على التغييرات الأخرى)، أي تغيير للأفضل ستؤجرون عليه أضعافًا مضاعفة، التغيير جماعي إذن فهو أسهل من أي وقت آخر في العام، الهمة متقدة، والجو العام لا يترك لك مجالًا إلا أن تحاول.

هل هناك رسالة أوضح من هذا ليخبرنا الله بأن رمضان هو شهر التغيير واكتساب العادات الجيدة؟

إذا كان كل هذا الفضل لرمضان، فلماذا نتحدث عنه من الآن؟ لماذا نستعد له؟

نعم، رمضان هو الوقت المخصص للتغيير، ولكن الاستعداد له قبلًا يصنع فرقًا كبيرًا، هل تري ماذا يحصل كل عام حين نبدأ بالتغيير فقط في رمضان؟

(1) نربط الاختلاف برمضان فقط
فما بدأ بالتغيير مع بداية رمضان غالبًا ينتهي مع نهايته! أو ربما بعده بقليل. ويصبح من الصعب المحافظة على العادات الجديدة التي اكتسبناها في رمضان إذ أنها ارتبطت برمضان فقط. وما سنّ لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- سنّة الصيام في شعبان، وما علّمنا الصحابة المواظبة على دعاء اللهم بلّغنا رمضان، إلا ليفطّنونا لأهمية الاستعداد لرمضان قبل بدايته.

(2) التغيير يأخذ وقتًا لنعتاده
هل تريد أن تضيع هذا الوقت من رمضان؟ غالبًا في أحد الأيام في الأسبوع الثاني أو الثالث من رمضان، نمر بتلك اللحظة التي نشعر فيها أننا بدأنا “نستوعب” أننا في رمضان! ثم ينتهي رمضان ونحن نشعر أنه مر سريعًا دون أن نقوم بكل ما أردنا القيام به. رمضان سريع! وإذا تركنا البدء بالتغيير فقط عندما يبدأ رمضان نكون كأننا قد أضعنا جزءًا كبيرًا مما كان بإمكاننا القيام به فعلًا. ولذلك فأفضل طريقة لاستغلال وقت رمضان خير استغلال هي أن نبدأ بتمرين أنفسنا ولو بالقليل قبل رمضان.

(3) الشوق يجعلنا أكثر حبًا وأكثر قدرة على التغيير
اسمع هذه النصيحة من قلب الحدث: لقد بدأتُ بإحداث تغييرات صغيرة جدًا في يومي بدءًا من الأسبوع الماضي من أجل الاستعداد لرمضان، وقد شعرت بفارق كبير، بل كبير جدًا، وأجد نفسي أقول اللهم بلغنا رمضان، فكل هذا الشوق فضلًا عن الاطمئنان والهدوء الذي أصابني كلما تذكرت أن رمضان قد اقترب، يجعلني أحب رمضان أكثر وأرغب بالتغيير أكثر. هل من الذكاء أن أضيّع هذا الشعور وأتركني بمشاعر عادية حتى بدء رمضان؟ سأحرم نفسي الكثير إن فعلت!

هذا جميل، إذن متى أبدأ بالاستعداد لرمضان؟

الآن! الجواب هو: الاستعداد الآن. والحقيقة هي أنك بقراءتك الآن فهذا يعني أنك فعلًا بدأتِ الاستعداد وترغب بالتغيير فعلًا في رمضان هذا عن كل رمضان مضى.

كيف أستعد لرمضان؟
قاعدة واحدة بسيطة: قم بتغييرات صغيرة. هذا كل ما يتطلبه الموضوع. والجميل أنك ستجد فرقًا كبيرًا وجميلًا جدًا نتيجة هذه التغييرات الصغيرة التي أقترحها هنا. نريدها صغيرة لكي تستمر، وليكون التغيير في رمضان أكبر، تذكر: خير العمل أدومه وإن قل. لنفرض أنك تريد التخلص من عادة تأخير الصلاة، وترغب في الالتزام بالسنن النوافل، وتتمني أن تبدأ بقراءة سور جديدة من حفظك في الصلوات بدل السور القصيرة التي تقرأها دائمًا. تخيل لو أنك بدأت كل هذه التغييرات في أول يوم لرمضان كم سيكون ذلك صعبًا، وكم سيستهلك من طاقتك الخاصة باتخاذ القرار!

وكم احتمالية أن تحافظ على هذه التغييرات بعد رمضان وقد بدأتها في رمضان فقط؟ ولكن على الجهة المقابلة، تخيل أنك بدأتِ اليوم بالصلاة على وقتها (ليكن ذلك الآن!)، وواظبتِ على ذلك أسبوعين أو ثلاثة، ثم بدأتِ بصلاة سنة الفجر وركعة وتر مثلا، واستمررت أسبوعين أو ثلاثة، ثم إذا بدأ رمضان تجد نفسك تستطيع فعل تغييرات أكبر وأكثر!

وهكذا على جميع الأصعدة: ربما تبدأ التدرج بالتبكير، أو بقراءة سورة قصيرة يوميًا، أو بالاستماع لمحاضرة كل أسبوع.

بعض الأفكار الصغيرة للاستعداد لرمضان
- الصلاة على وقتها (يمكنك البدء بالفجر والعشاء على الأقل).
- 10 دقائق مع القرآن كل يوم (قراءة أو حفظ أو دراسة).
- عدم الاستعجال بالقيام بعد الصلاة، والجلوس لعدة دقائق بعد كل صلاة لترديد بعض الأذكار والدعاء (هذا أحد التغييرات التي أقوم بها الآن، ومن العظيم كم أثرها كبير جدًا!).

- أذكار الصباح والمساء.
- اختيار ذكر/دعاء معيّن لكل يوم أو عدة أيام وترديده كلما تذكرتِ.
- صيام يوم في الأسبوع (وزيادة عدد الأيام في شعبان).
- تشجيع شخص آخر للبدء معك (صديقة، زوج، أخت، بنت، …).
- التبكير (ويمكنك التدرج في ذلك).
- تقليل السكر والطحين في الطعام ليصبح الجسم أقل اعتمادًا عليهما مما يسهّل الصيام.
- تعلّم دعاء وتعليمه للأبناء (دعاء النوم/الاستيقاظ/دخول الحمام/الخروج من المنزل/دعاء الأذان/ركوب السيارة/ … إلخ) ليبقى ذكر الله معك طوال الوقت.

وليكن في الاعتبار أن:
كل رمضان هو فرصة للتغيير الجذري في حياتك.
رمضان، موسم التغيير والتقدم والاختلاف للأفضل.

وفى الختام.. اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين.
الجريدة الرسمية