رئيس التحرير
عصام كامل

كنوز على الرصيف


ما بين «معجزة القرآن للشعراوي» و«تفسير الطبري» و«وصف مصر» و«فلسطين بالخرائط والوثائق» و«خطب الجمعة» و«أيام السادات» و«محمد نجيب» و«بين القصرين».. وغيرها من جواهر الإصدارات والموسوعات والروايات تتزين شوارع منطقة وسط القاهرة وسور الأزبكية، لتعطي دليلا جديدا على أن الفكر المصري ما زال نابضا بخير مورق تثمر ظلاله آجلا أم عاجلا..


أسماء لامعة في عالم الفكر يؤرخ ويسجل وجودها في العاصمة المصرية، بما تركه أصحابها من إرث فكري راقٍ.. مؤشرا على عظمة معدن المصريين وميلهم إلى العلم والمعرفة والنهم من خيرات صفوة الخبرات الإنسانية والعلمية.. إنها مشاهد يومية تتكرر على «الرصيف»، حيث تستوقف العناوين البراقة بوسط القاهرة عشاق الكتب المعروضة بأرخص الأثمان، وإن كانت قيمتها تفوق الملايين.

أتصفح وجوه الحاضرين حال مروري هناك، كما أتصفح عناوين الكتب.. أجد رجلا في عمر أبي وقد كسا الشيب رأسه يتأبط حقبة جلدية، وقد تأهب لملئها بما استطاع أن يشتري بنقوده وعلى وجهه ترتسم علامات الرضا كما لو كان قد فاز بمال الدنيا.. شباب في سن طلاب الجامعات يقفون منجذبين إلى العناوين المعروضة لشراء ما يعانق تخصصاتهم منها.. فتيات ترتدي إحداهن نظارة تتمحص المعروضات اسمًا اسمًا وقد بدا بعضها مهم لتخصص علمي أو مهني لها..

ويقف رجل مهندم تنبئ ملامحه أنه ربما يكون أستاذا في الجامعة لم يرد حرمان نفسه من النهم من ينابيع المعرفة يقيم علاقة صداقة مع بائع الكتب علَّه يكون له عينا على الإصدارات النادرة منها فيخطره أولًا بأول بالجديد.

الصحفيون أيضا لا تشغلهم مهنتهم عن أن يكونوا زبائن باعة الكتب في سور الأزبكية أو الموجودين منهم على أرصفة شوارع وسط القاهرة.. فيتحينون الفرصة للتطلع إليها، وكذا الأدباء والشعراء وأئمة المساجد وطلاب الجامعات وطلاب الدراسات العليا.. ولم أتفاجأ حينما يقول لي صديق من رجال السلك القضائي المستنيرين أنه بحاجة ماسة إلى يوم إجازة لزيارة باعة الكتب.

كثيرةٌ هي الأسماء المعروضة للكبار أمثال الشيخ الشعراوي والدكتور إبراهيم الفقي والدكتور عبد الله شحاتة والدكتور محمد سيد طنطاوي.. وغيرهم ممن تعجز السطور المتواضعة عن إحصائهم.. فعلا قد يقول قائل: إن للكتاب الإلكتروني اليوم سطوةً وتوفيرًا وعددًا.. لكن تبقى الكلمة المطبوعة لها زبائنها وعشاقها.

إن مشهد باعة الكتب فيما أشرت إليه من أماكن، يُبهر الألباب ويُشرف دولةً بأكملها مما يستوجب اهتماما رسميا بهؤلاء الباعة كونهم صورة مشرفة – بغض النظر عن الوضع القانوني لوجودهم- لكنهم وإن كانوا بحاجة إلى تقنين، وهذا حق الدولة، إلا أنه لا بد من استثمار وجودهم ولو وصل الأمر لدعمهم، وهذا بالطبع ليس لأني «زبون» دائم لهؤلاء الأفاضل لكن لأن وجودهم في حد ذاته مؤشر على معطيات لا يمكن وصفها في مقالة. 
الجريدة الرسمية