رئيس التحرير
عصام كامل

الحب سر الحياة


بما أني موجود في مدينة الحبيب الأعظم والخليل الأكرم صلى الله عليه وسلم يطيب لي أن أتحدث عن الحب، الحب سر الحياة وعبيرها ونسيمها وأكسجينها وهواها وأنفاسها، ولا يستطيع أحد أن يتصور الحياة بدونه، تخيل أن فقد الحب بين أفراد الأسرة والعائلة وبين أبناء المجتمع الواحد مع اختلاف العقائد والملل وبين المجتمعات..


أعتقد أن الحياة ستنقلب إلى عداوة وشقاء وجحيم وكراهية واعتداء، وعند ذلك ستنهار القيم الإنسانية النبيلة التي جاءت بها الرسالات السماوية، ويحل محلها شريعة الغاب، وقانون الذي لا مكان فيه للضعفاء، والحياة للأقوى وتفقد البشرية الإحساس بقيمة الحياة والسعادة بها..

هذا وإذا رجعنا إلى المراد الإلهي الأول قبل خلق الخلق، والذي أشار الله تعالى إليه في الحديث القدسي بقوله: "كنت كنزًا مخفيًا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني"، لأدركنا أن الحكمة الإلهية والمراد الإلهي الذي هو من وراء الخلق والوجود والحياة، هو الحب..

وأعتقد أن ما كانت الرسالات والمناهج السماوية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، إلا لنشر المحبة والسلام والرحمة والعدل بين الناس، هذا ولكون الحب هو الأساس والرابط بين العبد وربه تعالى قدمه الحق على اتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث يقول عز وجل: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"..

من هنا ندرك مدى قيمة الحب في عبادة الله تعالى واتباع الحبيب عليه الصلاة والسلام، هذا ولكون الحب سر الحياة وروحها لا وصل ولا قرب من الله عز وجل ولا معايشة لأنسه تعالى إلا به، سأل سيدنا داوود عليه السلام ربه ومولاه جل علاه قائلا:

"ربي ألك أهل محبة، فأجابه عز وجل بلى وأهل أنس ومجالسة ومودة، قال داوود، يارب، صفهم لي، فقال له سبحانه، يحنون إلى الليل كما يحن الطائر إلى وكره، فإذا ما جنهم الليل وفرشت الفرش ونصبت الأسرة وخلا كل حبيب بحبيبه افترش لي أهل محبتي وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي فبين صارخ وباك وأواه وشاك -أي من شدة نيران الأشواق إليه تعالى في قلوبهم- وبين قائم وراكع وساجد وذاكر وشاكر..

ياداوود بعيني ما يشتكون من حبي وما يعانون من أجلي، ياداوود إن أهل محبتي يتعجلون لقائي شوقًا إلى وإني لا أحب أن أتعجل لقاءهم فإنهم موضع نظري من بين خلقي فبهم يرفع غضبي وبهم تتنزل رحماتي وبهم تمطر سمائي وتنبت أرضي، ياداوود، أولئك الذين إذا ما نظرت إليهم لهان علي أن أغفر لجميع المسيئين من خلقي إكرامًا لهم. 

ياداوود، إني خلقت طينة أهل محبتي من طينة إبراهيم خليلي وموسى كليمي وعيسى كلمتي وروحي ومحمدا صفي ونجي، وخلقت قلوب المشتاقين إلى من نوري ونعمتها بجمالي وجلالي، ياداوود، أول ما أعطيهم أعطيهم ثلاثًا، أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم، والثانية، لو أن السموات السبع والأراضين السبع بما فيهن في كفة أحدهم حسنات لاستقللت لهم ذلك، والثالثة، أرفع الحجاب الذي بيني وبينهم فيروني كما أراهم ثم أقبل عليهم بوجهي الكريم، أويدري ياداوود أحد من خلقي إذا ما أقبلت عليه بوجهي الكريم ماذا أريد أن أعطيه".

هذا وفي ختام المقال أقبلوا أحبتي دعوتي إلى الحب، فليحب كل منا الآخر بغض النظر عن كل الخلافات بيننا في العقيدة والتوجه، وليكن الرابط بيننا الإنسانية، والجامع لنا في الأصل أبينا آدم عليه السلام، فالناس لآدم وآدم من تراب، هذا وإذا أردنا أن نسعد بالحياة وتسعد بنا الحياة فعلينا بروح الحياة وأنفاسها وسرها وهو الحب، الحب، الحب، أحبكم في الله.
الجريدة الرسمية