رئيس التحرير
عصام كامل

أشرف عبده يكتب: الخلوة الشرعية في السجون المصرية

أشرف عبده
أشرف عبده

ما هي الخلوة الشرعية، هي أن يختلي رجل بامرأة عقد عليها شرعا أي خلوة تتم بين الزوجين ويمكن في هذه الخلوة أن يطئ الرجل زوجته، وسواء حدث هذا الوطء أم لا، وجب للزوجة المهر كاملًا.


عندما يرتكب شخص جريمة سواء كانت مخلة بالشرف كالقتل والاغتصاب والسرقة والاتجار في المواد المخدرة، أو كانت غير مخلة بالشرف كقضايا شيكات بدون رصيد أو كمبيالات لشرائه شيئا، وتعذر في السداد، لظروف خارجة عن إرادته، وهناك من يسجن في جرائم ظلما وهذا لعدم قدرته على إثبات براءته من التهم التي نسبت إليه. جميعهم عندما يسجنون يدفعون ثمن جرائمهم من حياتهم وحياة من حولهم، حيث إنهم ليسوا هم المساجين فقط، بل هناك أشخاص آخرون يسجنون معهم، ولكن خلف أسوار السجون هناك أشخاص يعانون من سجن ذويهم، وهم خارج السجون، نعم إن اسرة السجين هي من تدفع الثمن الأكبر، وهى من تحاسب حسابا أكبر من المسجون ذاته، نعم فحياة الأسرة كاملة تدمر لسجن فرد منها بل تنهار تماما حياة تلك الأسرة.

تتأثر حياة الأسرة اقتصاديا إذا كان السجين هو العائل الوحيد لها إذا كان عائلا لأبيه وأمه لكبر سنهما أو أن كان عائلا لزوجته وأبنائه أو كان عائلا لإخواته الصغار لعدم قدرة أبيه على العمل لعجز أو كبر السن أو غير ذلك وبالأخص إن كان من يعولهم في مراحل تعليمية مختلفة فإن سجن هذا العائل يؤثر عليهم وقد يتركون التعليم كي يعملوا مبكرا لسد احتياجاتهم، وأيضا إذا كان للمسجون زوجة فهى من تتحمل العبء الأكبر بعد سجن زوجها فهى تعمل على توفير احتياجات أبنائها، وأيضا احتياجات الزوج المسجون نفسه فتتحمل هي كل تلك الأعباء على حساب نفسها وأحيانا تلجأ إلى الانحراف اللا أخلاقي سواء هي أو أحد أفراد الأسرة لسد احتياجات الآخرين.

هناك قصة صغيرة عن عمر بن الخطاب أثناء خلافته للمسلمين كان في يوم يتفقد الرعية ومر بأحد البيوت فإذا به يسمع صوت امرأة غاب عنها زوجها وهى تقول "تطاول هذا الليل وأزوار جانبه، وأرقنى أن لا خليل ألاعبه، فوالله لولا الله لا رب غيره، لحراك من هذا السرير جوانبه، ولكن تقوى الله عن ذا تصدني، وحفظا لبعلى أن تنال مراكبه".

وعندما سمع عمر بن الخطاب كلامها قال فليرحمها الله وذهب إلى بيته وسأل حفصة ابنته كم من الوقت تستطيع الزوجة أن تتحمل فراق زوجها فقالت له: أربعة أشهر، فأمر الخليفة عمر بن الخطاب، بأن لا يغيب الرجل عن بيته أربعة أشهر.

ونحن الآن نضيع حق الزوجة الشرعي الذي أحله لها الله بحرمانها منه للأسف الشديد، تنحرف العديد من الزوجات بعد سجن زوجها بسبب رغبتها في الحصول على حقها الشرعى، والتي لا تستطيع الحصول عليه بعد سجن زوجها.

إن هناك حقا شرعيا للزوجة يغفله للأسف المسئولون في مجتمعنا ولا يطبق إلا لأفراد بعينهم وهو الخلوة الشرعية حيث تواجه زوجات المساجين أو تواجه المسجونات أو المساجين أنفسهم وهو الحرمان من الزوج أو الزوجة وعدم إتاحة الخلوة الشرعية داخل السجون وبسبب ذلك تحدث العديد من المشكلات، وتنتهى إما بطلب الزوجة للطلاق أو لانحراف الزوجة، وتنتشر قضايا الزنا بسبب تلك المشكلة، وأيضا ينتشر الشذوذ الجنسي بين المساجين والعلاقات غير الشرعية داخل السجون، مما يؤدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة بينهم، ومن المساجين يلجأ للهروب بسبب تلك المشكلة.

 كانت أول خلوة شرعية في السجون المصرية حدثت عام 1952 في عهد الملك فاروق عندما سجن وزير الحربية في ذلك الوقت اللواء حسين سري عامر، بعد فشله على أيدي "الضباط الأحرار" في رئاسة نادي ضباط الجيش، وفوز اللواء محمد نجيب، فتم إيداع اللواء سري السجن وطلب رؤية زوجته، فسمحوا له بالاختلاء بها لتكون أول خلوة شرعية في مصر بالمخالفة للوائح السجن، وهو ما انتقدته الصحف حينئذ واعتبرته تجاوزا وسلوكا مشينا.

أما أشـهر خلوة شرعية في السجون المصرية فكانت للشيخ عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي لتنظيم "الجماعة الإسلامية" المحظور في مصر، والذي توفي بالولايات المتحدة بتهمة التحريض على تفجير مركز التجارة العالمي، حيث قال شهود عيان من السجانين الذي عاصروا الفترة التي سجن فيها الشيخ عمر أنه كان يختلي بزوجته داخل خيمة في فناء السجن، وأنها أنجبت له أثناء سجنه صبيا واحتفل بذلك مع أعضاء الجماعة.

وطبقت الخلوة الشرعية في العديد من دول العالم بما فيها كاليمن والسعودية والكويت والأردن وماليزيا تسمح بالخلوة الشرعية، وأن هناك تجارب في دول عديدة بعضها يعتمد على توفير أماكن للخلوة الشرعية بجوار السجون تشبه الفنادق لقضاء الخلوة الشرعية فيها، أو العمل بنظام الإجازات بمعني إعطاء السجين إجازة يوم كل فترة للذهاب إلى منزله بحراسه أو بدون لقضاء الخلوة الشرعية ثم العودة وأن الدراسات تشير إلى تحسن سلوكيات المسجونين في هذه الحالات، وتناقص عدد حالات الشذوذ داخل السجون.

ومن أهم تجارب تطبيق الخلوة الشرعية تجربة المملكة العربية السعودية والتي تطبق ضمن اليوم العائلي في سجون المملكة واليوم العائلي في سجون المملكة.. برنامج إنساني واجتماعي فريد من نوعه على مستوى العالم، يهدف إلى جمع الأسرة مع أبيهم في مكان مهيأ لاستقبالهم دون حواجز أو قيود يحصل اللقاء والسكن والمودة في أجواء معبرة فيها الحب والعناق والدموع البرنامج قُصد منه مزيد من الاستقرار الأسري في حياة السجين، وطمأنة لنفسيته المتألمة من العقوبة والرغبة في تهذيب سلوكه وإصلاح الخطأ وعدم الرجوع إليه.. البرنامج هو أيضًا حفظ لأسرة السجين من الضياع، وتحويل السجون إلى دور إصلاح بدلًا من دور للعقوبة.

نتمنى أن يتم العمل على تطبيق الخلوة الشرعية في السجون المصرية حتى نعطى للزوجة حقها الشرعي وأيضا حتى تنتهى ظواهر الاختلاط الجنسي والتعامل الجنسي الخاطئ والمحرم بين السجناء مع وضع قواعد ومعايير وإنشاء أماكن مجهزة لتطبيقها حتى لا يكون هناك حرج للزوجة.
Advertisements
الجريدة الرسمية