رئيس التحرير
عصام كامل

محمد عطية يكتب: المعالجة المصرية للمشكلة اليمنية

محمد عطية
محمد عطية

مع اندلاع الثورة اليمنية على الملكية المستبدة في عام 1962، وإعلان الجيش اليمنى السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، ومحطة الإذاعة اليمنية في مشهد يقارب لثورة 1952 المصرية، انقسمت المنطقة العربية بل والعالم حول الثورة اليمنية بين مؤيد لها ومعارض لها، وكانت المصلحة هي المحرك الأكبر لهذه القضية، فالسعودية رأت فيها خطرا يهدد عرش آل سعود وانضمت إليها المملكة الأردنية ولو بشكل أقل تطرفا.


وعلى النقيض من ذلك كان الموقف المصرى داعما بشكل كلى لهذه الثورة، فقد خرج عبد الناصر جريح القومية العربية بعد انهيار الوحدة المصرية السورية بعام واحد في عام 1961، وأصبحت الفرصة المصرية مواتية لإثبات الحلم العربى والقومى من جديد على الأراضى اليمنية أما عن الموقف الدولى فكان الاتحاد السوفيتى مع الجانب المصرى داعما للثورة اليمنية، وعلى الجانب الآخر المحتل البريطانى لعدن وللجنوب اليمنى رافضا لها، أما الولايات المتحدة فقد وقفت على جانب الحياد من القضية.

اندفع الجيش المصرى يطوي الأراضى اليمنية من الحديدة وتعز وصنعاء العاصمة في دعمه البرى والجوى والبحرى للثورة اليمنية الوليدة وما أن جاء العام الثانى من قيام الثورة حتى أصبح المصريين في اليمن، ما يزيدون على العشرين ألف مقاتل في العام 1963، يواجهون الملكيين الداعمين للنظام الملكى والذين حازوا الدعم والمؤن من الجانب السعودى، اتبع اليمنيون حرب العصابات مع الجيش المصرى فهم أهل الجبال والرمال، وكان على المصريين أن يجدوا الحل للمشكلة اليمنية فقد وصل عدد الجيش المصرى في عام 1967 إلى ما يقارب السبعين ألف مقاتل (خمسين لواء) أي نصف الجيش المصرى بمعنى آخر، كان أحد المعالجات المصرية هي دفع المال واجتذاب القبائل اليمنية بسياسة العصى والجزرة فمن يحسن يثاب ومن يسئ يمنع عنه العطاء.

وتأكيدًا على الفكرة كان على اليمنيين إرسال أبنائهم إلى مصر وبشكل خاص أبناء شيوخ القبائل وهو نوع ذكى من تأكيد الولاء والتبعية فهى أقرب الأشكال إلى نظام الرهائن الذي اتبعه أسلافهم من حكام اليمن لضمان ولاء القبائل ولكن بشكل راقى وبفكر واع، فأبناء القبائل سوف ينقلون ما شاهدوا من التحضر والمدنية المصرية وسوف يعودون إلى القبائل بولاء جديد لمن زرع فيهم الأمل بالمستقبل وإمكانية تغيير الواقع، أما عن شيوخ القبائل أنفسهم فإن انتقالات الجيش المصرى في الأراضي اليمنية لا تتم إلا بصحبة شيوخ القبائل، فكان على شيخ القبيلة أن يجلس في مكان خاص في أول الرطل العسكري المصرى أثناء مروره داخل أراضي القبيلة وقد قلل هذا الأسلوب من خسائر الجيش المصرى والذي تعرض لكثير من الكمائن.

أما عن الموقف الدولى فقد استطاع عبد الناصر أن ينقل الصراع إلى الجنوب اليمنى المحتل من الجانب البريطانى فكانت زيارة عبد الناصر لليمن في عام 1964 تحت عنوان على الاحتلال اليمنى أن يرفع عصاه على كاهله وان يرحل، وهكذا انشغل البريطانيون بمشكالهم في الجنوب، أما السعودية فكان دعم الأمراء الأحرار من إخوة الملك سعود والذين استضافهم عبدالناصر كورقة ضغط ومن جانب آخر المطالب بمنطقة جزان وفزان ضمن الأراضي اليمنية ومحاولة نقل الصراع إلى الجنوب السعودى.

وعلى الرغم من كل ذلك فقد كان اليمن آخر خروج للجيش المصرى من أراضيه في التاريخ المعاصر بشكل منفرد، فقد كان العدد الضخم الموجود في اليمن من أحد أسباب حدوث نكسة 1967 وتسبب في فقد مصر لرصيدها من الذهب في البنك المركزى والذي أنفق على هذه الحرب طويلة النفس، ليعى المصرى الدرس جيدا ويتضح خلال الأزمة اليمنية المعاصرة وهى أن لا شيء بلا مقابل، وأن كثيرا من الدول تقدم مصالحها على شعارتها لقد استوعب المصريون الدرس جيدا فقد كان الرفض المصرى رغم عمق العلاقات المصرية مع كلا من السعودية والإمارات العربية في وجود أي قوات مصرية على الأرض اليمنية، ولنرى الدول المشاركة الآن في الحرب اليمنية تحاول الخروج منها بلا طائلة لتكون بشكل أقرب للتعبير اللعنة اليمنية فعلى الجميع أن يعود إلى التاريخ للدراسة والعبر وتجنب الأخطاء.
الجريدة الرسمية