رئيس التحرير
عصام كامل

محمد السمادوني يكتب: جناية تهريب الآثار

محمد السمادوني
محمد السمادوني

الفكرة في هذه المقالات هي تبسيط العلوم القانونية ودمجها في الثقافة العامة، على غرار تبسيط العلوم التي شهدت تقدما ملموسا على المستوى العالمى والمحلى.


لقد انتشرت عمليات الحفر في انحاء مصر المحروسة في السنوات الأخيرة بحثا عن الآثار، وهذا البحث غايته بيعها لتجار محليين يقومون بدورهم بتهريبها للخارج لعصابات دولية، ومن هنا تنبع أهمية دراسة جناية تهريب الآثار.

في سنة 1910 اشترى العالم الإنجليزي "دوجلاس موراى" مومياء الأميرة الفرعونية من بائع أمريكى مجهول استطاع الحصول عليها وتهريبها خارج مصر في تلك الفترة التي كانت فيها سرقة الآثار وتهريبها أمرا سهلا، ودفع دوجلاس سعرا زهيدا في المومياء، في نفس الليلة توفى البائع الأمريكى في ظروف غامضة، ولتبدأ سلسلة من الحوادث الغامضة الأخرى التي ارتبطت بهذه المومياء.

منذ التحاقى بكلية الحقوق جامعة القاهرة كان يستهوينى القانون الجنائى بشقيه العقابى والإجرائى، وكنت أدرسه على يد عمالقة مثل نجيب حسنى وأحمد فتحى سرور ومأمون سلامة وحسنين عبيد، ولكنى سرت في حياتى المهنية مترسما خطى القضاء المصرى، فالقاضى ممكن أن يعمل فترة في دائرة مدنية وفترة أخرى في دائرة جنائية وفترة ثالثة في دائرة تجارية، وهكذا حتى يتقلب في أكثر من فرع من فروع القانون، فعملت في القضايا الجنائية والمدنية، ولكن أرى شغفى بلا حدود مع القانون الجنائى الذي مارسته لسنوات طويلة.

بداية وبخصوص الجانب الإجرائى في جناية تهريب الآثار يجب التنويه إلى نقطة هامة تتعلق بأن الشارع منح موظفى الجمارك الذين أسبغت عليهم القوانين صفة الضبط القضائى في أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم حق تفتيش الأماكن والأشخاص والبضائع ووسائل النقل داخل الدائرة الجمركية أو في حدود نطاق الرقابة الجمركية إذا قامت لديهم دواعى الشك في البضائع والأمتعة ومظنة التهريب فيمن يوجدون بداخل تلك المناطق.

فالشارع لم يتطلب بالنسبة للأشخاص توافر قيود الضبط والتفتيش المنظمة بقانون الإجراءات الجنائية أو اشتراط المطلوب تفتيشه في إحدى الحالات المبررة له في نطاق الفهم القانونى للمبادئ المقررة في القانون المذكور، بل يكفى أن يقوم لدى الموظف المنوط بالمراقبة والتفتيش في تلك المناطق حالة تنم عن شبهة توافر التهريب الجمركى في الحدود المعرف بها في القانون، فإذا هو عثر أثناء التفتيش الذي يجريه على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية معاقب عليها في القانون العام فإنها يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجريمة لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع في ذاته ولم ترتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة.

فمراجعة الجانب الإجرائى في الجنايات عموما هو ما ينبغى البحث فيه أولا.

والإجراءات التي يتخذها مأمور الضبط ومدى صحتها تخضع لتقدير محكمة الجنايات، وعلى ذلك يتعين أن تثبت جميع الإجراءات التي يقوم بها مأمور الضبط القضائى في محاضر موقع عليها منه يبين فيها وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها، ويجب أن تشمل تلك المحاضر على توقيع الشهود والخبراء الذين تم سماعهم، وترسل المحاضر إلى النيابة العامة مع الأشياء المضبوطة.

ولكن يلاحظ أن ما ذكر هو من قبيل الإجراءات التنظيمية ولا يترتب على مخالفتها بطلان حسبما استقر عليه قضاء محكمة النقض.

وقد حدد القانون سلطات مأمور الضبط القضائى عند تحرير محضر جمع الاستدلالات بسؤال كل من لديه معلومات عن الواقعة، ومرتكبها وله أن يسأل المتهم وأجاز له الاستعانة بأهل الخبرة كالخبراء في الآثار وغيرهم سواء شفاهة أو كتابة وكل ذلك بدون حلف يمين، إلا أن المشرع أعطى لمأمور الضبط القضائى سلطة تحليف الشهود أو الخبراء اليمين إذا خيف عدم أداء الشهادة ومن أمثلة ذلك أن يكون الشاهد أو الخبير في سبيله إلى سفر بعيد قد يصعب استدعاؤه.

ويلاحظ أنه يحظر على مأمور الضبط أن يستجوب المتهم ولكن المسوح له هو سؤاله فقط، والاستجواب المحظور هو الذي يواجه فيه المتهم بأدلة الاتهام التي تساق عليه دليلا دليلا، ليقول كلمته فيها تسليما بها أو نفيا لها، وكذلك يحظر علية مواجهة المتهم باعتبار أن المواجهة مثل الاستجواب من إجراءات التحقيق المحظور على مأمور الضبط القضائى اتخاذها.

المومياء التي تم تهريبها سنة 1910 أصابت كل من تعامل عليها بالبيع أو الشراء أو الحيازة بالموت فجأة، ومن هنا انتشرت في العالم منذ ذلك التاريخ لعنة أسموها لعنة الفراعنة.

أما قضية تهريب الآثار موضوع هذا المقال فقد جاءنى لكتابة نقض جنائى، وكانت قبل ذلك من مسئولية مكتب الدكتور خالد حمدى عبد الرحمن العميد السابق لحقوق عين شمس والذي تولى القضية في مرحلتها أمام محكمة الجنايات، ويتلخص موضوعها في ضبط ستون قطعة أثرية بميناء دمياط كانت في طريقها للتهريب عن طريق إخفائها داخل قطع أثاث خشبية كان سيتم تصديرها للخارج.

ويلاحظ أن ضبط الرسائل هو عمل من أعمال التحقيق ويحظر على مأمور الضبط اتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق دون أن يكون مأذونا له بذلك من القاضى المختص ومأمور الضبط فض الرسالة (حاوية) من تلقاء نفسه مما يصم الإجراء بالبطلان.

ويشير القانون المصرى إلى أنه يعتبر أثرا كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته العلوم والفنون والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهرا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها.

وتعتبر جميع الآثار من الأموال العامة ولا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في القانون.

ووضع القانون عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة والغرامة لكل من قام بتهريب أثر إلى الخارج وفى هذه الحالة يتم مصادرة الأثر.
الجريدة الرسمية