رئيس التحرير
عصام كامل

بلطجية بـ«رخصة»


في وقت تزايدت فيه الأصوات المطالبة بالقضاء على آفة "بلطجية الأرصفة" الذين يبتزون الناس ويحصلون منهم على أموال بدون تأدية أي خدمة، فوجئت بمشروع قانون تقدمت به لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان.. "آل إيه" لتنظيم عمل منادي السيارات بدلا من "تجريم" وجودهم، وإنهاء ظاهرتهم "البغيضة المقيتة" وتطهير الشوارع منهم.


للأسف البرلمان بهذا القانون الغريب يخترع مهنة وهمية هي أقرب لمسمى "بيزنس الهواء"، ويمنح لها مشروعية مرفوضة، ويعطى الفرصة لمن يمارسونها لكى يتمادوا في ممارسة البلطجة ضد المواطنين، ولا أراه سوى حلقة في سلسلة مشروعات قوانين لاتنتصر لدولة القانون، بل تنحاز لدولة الفوضى وتكرس سياسة "الطبطبة" على الفوضويين والمخالفين ومكافأتهم بدلا من معاقبتهم، ووجود هؤلاء بالشوارع باطل، وبالتالى فإن تقنين أوضاعهم باطل.

مشكلة هذا البلد أننا لم نعد نفكر في اجتثاث كل الآفات والموبقات والظواهر البغيضة التي جلبتها الفوضى المتعمدة التي استشرت في مرحلة ما بعد يناير 2011 والقضاء الجذرى عليها، ولكن حكومتنا للأسف تبنى عليها وتتعايش معها بل، وتُصدِرْ لها قوانين لتثبيت وتكريس أوضاعها، باعتبارها صارت واقعا يستحيل القضاء عليه، هكذا فعلت "شبه دولتنا" مع براميل الزبالة المتحركة أو "الصراصير" المسماة بـ"التكاتك" والتي ملأت شوارع ومحافظات البلد ودثرتها بوجه قبيح، ومع بلطجية الأرصفة، ومع أولئك الفوضويين الذين قاموا ببناء ملايين العمارات المخالفة، ومع الباعة الجائلين الذين تمترسوا في الشوارع، وخنقوها وجعلوها أقرب لـ"سويقة" كبيرة، ومع كثير من "الموبقات" التي طفحت على سطح مجتمعنا قبل 7 سنوات.

وسؤالى لأعضاء لجنة الإدارة المحلية في البرلمان، هل يمكن مثلا أن نصدر قانونًا لتنظيم وجود "أطفال الشوارع" في الشوارع؟، وما الفارق بين أطفال الشوارع وبلطجية الأرصفة؟، وماذا لو ركنتم سياراتكم، وخرج لكم واحد من هؤلاء بلا رخصة، هل سترفضون الدفع له؟

الحقيقة أن هذا القانون -الذي ينص على عدم السماح لأي منادى سيارات بالعمل دون رخصة، وتعيينه موظفًا بعقد وراتب شهري تابع للحي الذي يعمل به- إذا تم إقراره سيزيد من توحش هذه الظاهرة، وبدلا من أن يكون لدينا سياس بلا رخصة سيكون لدينا سياس برخصة وبدون وسيتكاثرون ويتوالدون ويتناسلون بعد أن اعترفت بهم الدولة ومنحت بلطجيتهم المشروعية، وهؤلاء الـ "بدون" "سيضرِبون" رخصة يعلقونها على رقبتهم، حتى يختلط على أمثالنا الأمر أيهم برخصة حقيقية وأيهم برخصة مزورة، وأظن أي أي مجموعة مواطنين من أصحاب السيارات إذا أقاموا دعوى قضائية ببطلان هذا القانون سيكسبونها من أول جلسة.

منذ يومين توقفت بسيارتى أكثر من مرة لقضاء بعض المصالح وشراء بعض المستلزمات، وفى كل مرة كنت أتوقف كان يخرج لى "من تحت الأرض وأنا أغادر" واحد من الذين يسمونهم "سايس"، ليطلب منك 10 جنيهات، وكأن هؤلاء قد سجلوا الأرصفة والشوارع باسمائهم أو تملكوها ونحن لا نعرف، وإذا توقفت بسيارتك 5 مرات مثلا سوف تدفع 50 جنيها في المشوار الواحد، حتى أصبح كابوس الركنة في "زمن ما بعد التعويم" يحتاج إلى مبلغ يفوق بكل أسف الحد الأدنى للراتب الذي يتحدثون عنه وهو 1200 جنيه،  ولو رفضت الدفع تسمع ما يؤذيك.

في كل الشوارع والحارات يتمترس هؤلاء الذين يستسهلون الحصول على أموال بطريقة غير شريفة، بينما يمكنهم "أكل عيش" بطريقة أكثر شرفا إذا بحثوا عن عمل شريف.

وللأسف كل هؤلاء -الذين لايفعلون شيئا سوى الإمعان في ابتزاز أصحاب السيارات بسيف الحياء تحت شعار "الدفع أو الإهانة وقلة الأدب لمن يمتنع" - ليسوا من ذوى الاحتياجات أو من العاجزين، بحيث تتعاطف معهم، وإنما يمتلكون من الصحة والعضلات ما يؤهلهم للعمل في أي مهنة يدوية وللقيام حتى بالأعمال الشاقة.

هؤلاء يجب أن تقوم الدولة بحصر عددهم على غرار أطفال الشوارع، وتوفير فرص عمل كريمة لهم من خلال مصانع وشركات رجال الأعمال الكثيرة، والتي تطلب موظفين برواتب كبيرة ولا تجد أحدا.

والخطوة التالية المطلوبة من الدولة تتمثل في تطبيق تجربة ماكينات الدفع على غرار التجربة الإماراتية والأوروبية، فأنا وغيرى على استعداد لأن ندفع لموارد الدولة أموالا قد تصل لمليارات سنويا، على أن تذهب هذه الحصيلة للموازنة العامة، لأننا على يقين أننا سنجد مردودا لها في تحسين الخدمات والمرافق والبنية الأساسية، بدلا من أن تذهب لجيوب بلطجية متكاسلين يرفضون العمل في مهن شريفة.
الجريدة الرسمية