رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كتالوج الموت


يتوحَّشُ الموتُ أحيانًا كثيرةً، فينتزعُ منْ بينِنا، وعلى حينِ غفلةٍ، الأتقياءَ والأنقياءَ والنُبلاءَ، الذين يبذلونَ الخيرَ وينفعونَ الناسَ، ويتجاهلُ نفاياتٍ بشريةً، إثمُها أكبرُ منْ نفعِها، ورحيلُها أفضلُ من حياتِها، فنندهشُ ونستنكرُ ونغضبُ ونتساءلُ: كيفَ ولماذا؟ ولكنْ لا يجبُ أن تندهشَ وتستنكرَ وتتساءلَ، فـ"ليسَ لكَ منْ الأمرِ شئٌ"، و"إنَّكَ ميِّتٌ وإنَّهم ميِّتونَ"، و"لكلِّ أجلٍ كتابٌ"، و" كلُّ منْ عليها فانٍ".


الموتُ باختصارٍ: "أنتَ هنا.. أنتَ لمْ تعُدْ هنا"، ولا ضيرَ أنْ يموتَ أحدُنا، طفلًا أو شابًا أو كهلًا، فالشمسُ والقمرُ لا يخسفانِ لموتِ أحدٍ أو حياتِه، الكونُ كلُّه إلى زوالٍ، وليس للموتِ "كتالوج". أنا شخصيًا.. أبغضُ الموتَ بُغضًا شديدًا، ربما التقينا مرتينِ أو ثلاثًا عَرَضًَا، فصدَّ عنى وصددتُ عنه، ولكنْ، بكلِّ أسفٍ، لا بدَّ منْ لقاءٍ، عاجلٍ أو آجلٍ، ينقلُنى خلالَه منْ عالمِ الفناءِ إلى عالمِ البقاءِ.

قلبى يذرفُ دمًا عندما أرى تابوتًا يحمل بين جنبيه منْ كانَ بيننا حيًَّا منذُ ساعاتٍ قليلةٍ، ولكنْ سرعانَ ما أتذكرُ قولَ القائلِ: كلُّ ابنِ آدمَ وإنْ طالتْ سلامتُه يومًا على آلةٍ حدباءَ محمولُ. المؤلمُ.. أننا لا نتدبرُ ولا نعتبرُ، نصطنعُ، في مواكبِ الجنائزِ والعزاءِ، دموعًا تُشبهُ دموعَ التماسيحِ، ونرتدى أقنعةً بلاستيكية، ثمَّ يعودُ كلٌّ منا إلى سيرتِه الأولى. ليسَ كلُّ الموتى يستحقونَ البُكاءَ والحُزنَ والوجعَ.

قليلونَ فقطْ منْ هُمْ جديرونَ بذلكَ.

ولكنْ.. لماذا الكتابة عنْ الموتِ الآن؟ الإجابةُ باختزالٍ غيرِ مُخلٍّ هي: "الدكتور أحمد خالد توفيق". إنَّ مُظاهرةِ الحُبِّ " الواقعية والإلكترونية" في وداع أشهر كُتَّابِ الخيالِ العلمىِّ والرُّعبِ والتشويقِ في المنطقةِ العربيةِ، أوجعتْ الذينَ في قلوبِهم مرضٌ وغَرَضٌ، استكثروا على الرجلِ، وهو في ساعاتهِ الأولى مع الموتِ، هذا الحبَّ الجارفَ، وهذا الحزنَ الأليمَ، وراحوا يغمزونه ويلمزونه ببذاءاتِهم.

كفى بالموتِ واعظًا يا "عُمرُ"، ولكنهم لا يتعظون يا "عُمرُ". "إنها لا تعمى الأبصارُ ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدورِ". "كلُّ الأحبَّةِ يرتحلونَ"، ولكن تخلدُ ذكراهم، و" وذكرُ الفتى بعد رحيلِه عُمْرٌ ثانٍ، أمّا غربانُ البشرِ، فلا دورَ لهم إلا النعيقُ فوقَ أطلالَ الحياةِ.. رحمَ اللهُ الدكتور "أحمد خالد توفيق"، وكلَّ منْ سارَ على دربِه، عِلمًا وموهبةً ونُبلًا وتواضُعًا واحترامًا وحُبًا للناسِ..
Advertisements
الجريدة الرسمية