رئيس التحرير
عصام كامل

«الخواجة مصري».. تسع حكايات للـ«المجد والسياسة والألم» لأجانب مصر

فيتو

إذا أردنا إعادة قراءة التاريخ جيدا علينا الرجوع إلى الحكايات والتجارب الإنسانية، التي شكلت رحلة سير الأحداث، سواء على مستوى النظام السياسي وطرق صنع القرار، أو على المستوى الاقتصادي وصعوده وهبوطه، أو حتى إدراك ومعرفة شكل الحياة الاجتماعية التي كان يحياها مجتمعا بعينه.


فالتاريخ ليس تلك الأحبار المدونة على ملايين الصفحات، بل جسد ينبض بالروح.. إناس من لحم ودم ساروا على تلك الطرق التي تسير عليها أقدامنا يوميا، من تلك القاعدة نفض الكاتب أحمد الفران، الباحث في السياسات الثقافية، الغبار عن وجوه عدد من الأجانب الذين عاشوا في مصر خلال القرن التاسع عشر، أثروا في تاريخها وتأثروا بها خلال كتابه «الخواجة مصري» تاركا لنا مساحة الاستزاد بالمعرفة ودون أن يضعنا بين مفردات السؤال الأصعب الوجه الآخر للاحتلال؟!

بلغة سهلة وبسيطة، يضعنا الفران أما تسعة نماذج أجنبية، ما بين علماء وقادة ورجال أعمال، تباروا على قيام نهضة مصر الحديثة وأسهموا في اكتشافات علمية أثرية كبيرة، وفي الوقت نفسه حصلوا على صكوك المجد والشهرة من كنوز أرض مصر.

وما بين أمريكي وألماني وفرنسي وإنجليزي، يظهر بقوة دور اللورد كارنافون، المهوس بالتنقيب عن الآثار المصرية، الذي أسهم بأمواله في اكتشاف مقبرة الفرعون الصغير «توت عنخ أمون» سنة 1922، أيضا على مدار 35 عاما خاص الفرنسي بيير لاكو رئيس مصلحة الآثار المصرية آنذاك، معركة شرسة في تمصير المصلحة وتغيير القوانين التي تعزز من حماية مصر لتراثها الأثري المتفرد، تحكم قبضة الدولة المصرية في تقنين أوضاع الحفر والتنقيب، ولا ننسى جهود لاكو ومعركته مع الألمان في إعادة رأس نفرتيتي التي هربها عالم المصريات الألماني لودفينج بورشاردت.

وينقل لنا مؤلف كتاب «الخواجة مصري» قوة عقل الألماني هنريش بروكش –الفتى الأسطورة- الذي استطاع فك رموز اللغة الديموطيقية، التي استخدمها القدماء المصريين في تدوين النصوص الدينية والرسائل التجارية والقانونية، بل تفوق على كل علماء المصريات في القرن الـ19 باكتشافه للحروف السبعة التي دخلت على اللغة المصرية في العهد البطلمي، وبسبب تفوق بروكش العلمي كان سببا في دفع الخديو إسماعيل إلى أن يصدر قرارا بإنشاء أول مدرسة للألسن «مدرسة اللسان المصري والحبشي» في أغسطس 1869.

وإذا تجولنا بين صفحات «الخواجة مصر».. نجد المؤرخ الصحفي جون نينيه، الذي أطلق عليه المؤلف لقب «المواطن مصر» الذي لعب دورا خطيرا في المجتمع المصري، ودوره السري في إذكاء الحركة الوطنية المصرية الثائرة ضد سياسات الخديو إسماعيل وقوات الاحتلال البريطاني، وصداقته لجمال الدين الأفغاني ولقائه بالشيخ محمد عبده في السجن بعد أن قبض عليه عام 1882، ليصبح صديقا مقربا للزعيم أحمد عرابي ومستشاره الخاص أثناء الثورة العربية.

ليس هذا فقط، فكان لنينيه دور مهم في حياة الزراعة المصرية، حيث لعب دور الوسيط بين والي مصر وفلاحوها في زراعة القطن وحلجه وتسويقه، فكان أول من أدخل آلات الحلج إلى مصر.

فكتاب «الخواجة مصري» الصادر عن دار أجيال للنشر والتوزيع، يضعنا أمام حكايات مثيرة عن أوضاع الأجانب الذين عاشوا في مصر الحديثة، الذي كان سببا في خروجه دراسة للمؤلف عن «القناطر الخيرية» فكل الشكر لتلك القناطر.
الجريدة الرسمية