رئيس التحرير
عصام كامل

تأملات في معجزة الإسراء والمعراج


تحتفل الأمة الإسلامية في هذه الأيام بذكرى معجزة الإسراء والمعراج، تلك المعجزة الخالدة التي خص بها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم دون سائر إخوانه الأنبياء عليهم السلام، والتي بينت وأظهرت مدى سمو مكانة النبي عند ربه عز وجل، ومدى محبته سبحانه له..


هذا ومع كل احتفال بالذكرى العظيمة تتعالى أصوات المشككين في حدوثها جسدا وروحا للرسول الكريم، ونسمع أقوالا ما أنزل الله بها من سلطان، ونحن من خلال هذا المقال والمقالات التالية بإذن الله تعالى سوف نرد على هؤلاء المشككين بالأدلة الشرعية، بالإضافة إلى بعض التأملات والقراءات في هذه الرحلة المباركة، واسمحوا لي في البداية أن نعرف ما هي المعجزة..

المعجزة هي أمر خارق يجريه الله على الأنبياء يفوق قدرات البشر على الإتيان به أو فعله وهي تأييد من الله للأنبياء ودليل على صدقهم فيما يبلغونه عن ربهم عز وجل، وهناك فرق بينها وبين الكرامة، فالمعجزة للأنبياء والكرامة للأولياء وكلاهما من الله تعالى، هذا عن تعريف المعجزة، وأما ما يتعلق بمعجزة الإسراء والمعراج فقد كانت بالروح والجسد معا، ولم تكن رؤية منامية كما قال البعض..

والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الإسراء: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".. صدق الله العظيم، هنا في مطلع الآيات الكريمة أشار الحق سبحانه إلى ذاته بصفة التنزيه المطلق له تعالى والمنزه عن النقص والعجز وعن كل وصف.. وأشار سبحانه إلى أنه مجري هذه المعجزة، ثم قال: "بعبده"، أي بمحمد صلى الله عليه وسلم بكليته جسدا وروحا..

وفي قوله "بعبده" أعلى قدر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بإضافته إليه سبحانه، ومعلوم أن هناك فرقا ما بين أن ينسب العبد نفسه إلى ربه تعالى، كما فعل المسيح عليه السلام عندما نطق وتكلم وهو في المهد وقال: "إني عبد الله"، وبين أن ينسب الحق العبد إليه كما فعل سبحانه مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ، فهاء الإضافة في كلمة "بعبده" إشارت إلى قمة التشريف للنبي..

هذا ومعلوم أن صفة العبودية التي ذكر الله بها حبيبه هي أعظم صفة، ومقام العبودية أسمى وأجل وأعلى مقام، وفي هذا المعنى يقول الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه: "كفى لي فخرا أن أكون لك عبدا، وكفى بي عزا أن تكون لي ربا، أنت لي كما أحب فوفقني إلى ما تحب".

هذا وعندما بدأت الرحلة المباركة امتطى المصطفى صلى الله عليه وسلم البراق بكليته جسدا وروحا، وعندما التقى بالسادة الأنبياء عليهم السلام وصلى بهم إماما في المسجد الأقصى كان جسدا وروحا، وعندما عرج به إلى حضرة ربه ومولاه جل علاه وكان لقاؤه بربه تعالى بكليته، وقد جاء في الأثر أنه صلى الله عليه وسلم حينما وصل إلى بساط الحضرة القدسية هم أن يخلع نعله تأدبا مع ربه ومولاه ناداه جل علاه أن دس يا حبيبي يا محمد..

وهنا لنا تأمل سريع وهو، عندما وقف كليم الله سيدنا موسى بأرض سيناء في مقام التكليم أمره سبحانه أن يخلع نعله فقال له سبحانه: "فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى"، والحبيب صلى الله عليه وسلم على بساط الحضرة القدسية يخاطبه سبحانه أن دس يا حبيبي يا محمد، هذا وأن من ينكر رحلة المعراج بالروح والجسد يتهم الله تعالى بالعجز وحاشاه عز وجل أن يعجزه شيء، هذا وأن في هذه المعجزة قراءات وتأملات كثيرة منها إظهار الله فضل النبي وعلو قدره على الأنبياء وسائر الخلق واستضافته في حضرته عز وجل وإقامته له في حضرة القرب، قال تعالى: "ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ".

وهذا لم يكن لأحد من الأصفياء من قبل ولا من بعد، وبذلك أكد سبحانه أن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام هو الحبيب الأعظم والخليل الأكرم وأنه سيد السادات، وفي هذه المعجزة وتلك الاستضافة الإلهية للحبيب بيان أيضا على أنه عليه الصلاة والسلام إمام وقائد ركب السادة الأنبياء، وقد تجلى ذلك من خلال صلاته بهم إماما واجتماعه بهم تشريفا لقدره وتجلية للعهد الذي أخذه الله تعالى عليهم في عالم الذر، عالم العهد والميثاق من قبل أن تخلق الأجساد..

عندما استخرج الله تعالى الأرواح من ظهر أبينا آدم عليه السلام وأخذ عليها إقرار بربوبته، ثم انتقى من بينها مائة وأربعة وعشرون ألف روح، وهي ارواح الأنبياء، وأخذ عليها عهدا وميثاقا بالإيمان برسوله ونصرته، وهو الميثاق الذي أشار الله تعالى إليه في قرآنه بقوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ"..

سبحان الله ما أعظم قدرك يا سيدي يا رسول الله، الأنبياء صفوة الأصفياء يطالبهم الله عز وجل بالإيمان بالنبي ونصرته وفي ذلك إشارة إلى أنه قائد الركب وهم الجند ثم يشهد الله تعالى بذاته العليا للنبي على شهادتهم، ياله من قدر عظيم للنبي ومكانة فريدة فهو عظيم القدر وعريض الجاه وصدق عليه الصلاة والسلام إذ قال: "لا يعرف قدري إلا ربي"..

نعم يا سيدي يا رسول الله من يعرف قدرك منا فأنت الذي رقيت فوق الخلق العظيم، ورقيت عند لقائك برب العالمين حتى أقمت في قاب قوسين أو أدنى، عزيزي القارئ سوف نستكمل القراءات والتأملات في هذه الرحلة المباركة والمعجزة الخالدة في المقالات التالية بإذن الله تعالى وفي الختام اللهم صلي وسلم وبارك على سيد الأنام وعلى آله الكرام وصحابته الأعلام والتابعين لهم بإحسان.
الجريدة الرسمية