رئيس التحرير
عصام كامل

ادعوا للشيخ «محمود صديق المنشاوي» بالشفاء


في العامِ 2010.. ذهبتُ إلى "ماسبيرو"، لأعرضَ على رئيسِ إحدى القنواتِ المُتخصصةِ، فكرة برنامجٍ، عنْ أبرزِ مَنْ تحدوا إعاقة العمى، وأصبحوا نجومًا، وعرجَ الحديثُ بنا إلى القارئِ الشيخِ "محمد رفعت"، الذي غادرَ دُنيانا قبلَ 68 عامًا ولا يزالُ حاضرًا بيننا بصوتِه وتسجيلاتِه القرآنيةِ اليوميةِ، فأبدى مُضيفى دهشة واستغرابًا واستنكارًا، وسألنى في سذاجةٍ يُحسدُ عليها أمثالُه: وهل كانَ الشيخُ "محمد رفعت" كفيفًا، وهل ماتَ بالفعلِ؟ فألجمتْنى الصدمةُ عنْ الكلامِ المُباحِ، ولملمتُ أوراقى وغادرتُ مكتبَه ولم أكملْ المقابلة طوعًا.


منذُ ذلكَ الحينِ.. أدركتُ أنه لا كرامةَ لقارئ القرآنِ الكريمِ في وطنه، حتى لو كان عَلَمًا منْ أعلامِ التلاوةِ على مستوى العالمينِ: العربى والإسلامى. يومَ الجمعةِ الماضيةِ.. توقعتُ أنْ يكونَ القارئُ الشيخُ " محمود صديق المنشاوى"، حاضرًا لتلاوة آياتٍ منْ القرآنِ الكريم، بمناسبةِ تجديدِ الجامع الأزهرِ الشريف، لكنَّ الرجلَ لم يحضرْ.

غيابُ "المنشاوى" لم يكنْ طارئًا بالنسبةِ لى، فقد طالَ الغيابُ، واستغرقَ بضعة سنواتٍ، ولم يحاولْ أحدٌ أنْ يعرفَ سرَّ هذا الغيابِ، ولو تعلَّقَ الأمرُ بلاعبِ كُرةٍ، أو مُمثلةٍ مغمورةٍ، أو راقصةٍ مُبتذلةٍ، لما توقفتْ ماكينةُ الأخبارِ عنْ إنتاجِ تقاريرَ "لحظيةٍ" عن الحالةِ الصحيةِ لهم. في مصرَ، التي كانتْ يومًا بلدًا لعباقرةِ التلاوةِ ومشاهيرِ القراءِ..

فقدَ قارئُ القرآنِ الكريمِ قيمتَه الرفيعةَ. أحزنَنى غيابُ المنشاوى كثيرًا، فهو عُمدة القُراء المصريين والعرب، وأقواهم صوتًا وأعظمُهم موهبةً، وأكثرُهم إبداعًا وتألقًا وإلمامًا بفنونِ التلاوةِ، ليسَ فقطْ لأنه امتدادٌ لشقيقِه الراحلِ الشيخ "محمد صديق المنشاوى"، الذي لا يزالُ حاضرًا بإبداعاتِه رغمَ رحيلِه عنا منذُ نصفِ قرنٍ منْ الزمانِ إلا عامًا واحدًا. هذه المرة..

لم ألتزمْ الصمتَ، ولكنْ كلفتُ زميلى محررَ الشؤونِ الدينيةِ في "فيتو" محمد فودة، بالتواصلِ مع القارئ الشاب "صديق المنشاوى"، نجلِ الشيخِ " محمود"، الذي أبلغه بأن والدَه أُصيبَ بجلطةٍ في المخِّ منذُ عدةِ سنواتٍ، يعانى على إثرها منْ صعوبةٍ في الكلامٍ، ومن ثمَّ توقفَ عنْ التلاوةٍ بشكلٍ نهائىٍّ، ولزمَ دارَه في "سوهاج"، يعانى منْ ثنائيةِ: المرضِ العضالِ والتجاهلِ التامِّ.

مَنْ يعرفونَ أقدارَ المُبدعينَ مِنْ قُراءِ القرآنِ الكريمِ، يعرفونَ مَنْ هو الشيخُ "محمود صديق المنشاوى"، وسوفَ يتألمونَ مثلى لمرضِه، ولا يسعُهم إلا أنْ يدعوا اللهَ العلىَّ القديرَ، بأن يمُنَّ عليهِ بنعمةِ الشفاءِ، ويُعيدَ إليهِ صوتَه الذي ظلَّ أكثرَ منْ ستينَ عامًا مُتصلةً يُبدعُ في تلاوةِ القرآنِ الكريمِ.. إنَّهُ ولىُّ ذلكَ والقادرُ عليهِ.
الجريدة الرسمية