رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

التاكسي.. ديناصور النقل


سيارة متهالكة غير نظيفة عادة.. وتكييف لا يعمل أبدًا مهما ارتفعت درجات الحرارة.. وعداد للأجرة ذمته أكثر اتساعًا من المحيط الأطلنطي.. وصوت مرتفع للراديو يندمج مع مكالمات هاتفية مزعجة تملأ المكان لتزاحم دخان السجائر.. ومفاوضات للحصول على فرصة "ركوب" قبل بداية الرحلة ثم مفاوضات على الأجرة في نهايتها.. وشعور يلازمني طوال الطريق بأنني "رهينة" تنتظر لحظة الإفراج.. هذا ملخص لتجربتي السيئة مع "التاكسي" التي أظن أن الكثيرين قد يشاركونني بها.


ووسط هذه المنظومة السيئة تتواجد فئات محترمة من السائقين لكنها تظل غير قادرة على محو الصورة السلبية التي ترسخت في أذهان العملاء عن خدمات "التاكسي"، وهي الصورة التي تراكمت حتى أجبرت قطاعات من العملاء على التوقف عن استخدامه بمجرد توفر البديل المتمثل في خدمات "النقل التشاركي" مثل: أوبر وكريم، وذلك بهدف الحصول على خدمات أفضل بأسعار عادلة، وأمان أكبر، وفرصة لتقييم السائق.. وغيرها من المزايا.. وهذا ليس معناه أن هذه الخدمات مثالية لأنها تحتاج أيضًا الكثير من التطوير، وتلافي الأخطاء التي تصادف عملاءها أحيانًا ولكنها في المجمل تظل أفضل كثيرًا من التاكسي الأجرة.

ولابد أن ركاب "التاكسي" يمتلكون الكثير من الحكايات التي تسرد مواقف حدثت معهم.. ولأن الخاص يرتبط أحيانًا بالعام، فقد تذكرت حينما كنت أعمل في شركة يقع مقرها في أحد الأبراج الشهيرة على النيل، وقد أوقفت تاكسي لأصل سريعًا لمقر عملي.. مشواري الذي لا يتكلف أكثر من عشرين جنيهًا على "العداد" كان رأي السائق أنه يتكلف مائتي جنيه كاملة ،لأنني -تبعًا لوجهة نظره- طالما أعمل في ذلك المكان فإن هذا المبلغ لن يضرني كثيرًا.. وعندما أبديت اعتراضًا على وقاحة المنطق.. أشار لامتلاكه أدلة إقناع أخرى، حيث أخبرني بوضوح بأنه لا يمانع أبدًا في إرسالي إلى رحلة علاج طويلة، لذلك فضلت دفع "الدية" ومغادرة التاكسي مصدومًا من تعرضي للسرقة بالإكراه، قبل أن أستوعبها على مهل عندما تسببت في مروري بضغط مالي صغير استمر معي لمدة يومين، وضغط عصبي استمر لأسبوع كامل.

وفي فيلم (ليلة ساخنة) يحاول نور الشريف "سيد"، الذي يعمل سائقًا للتاكسي، أن يجني في ليلة رأس السنة ما يمكنه من جمع مصاريف المستشفى لعلاج حماته.. قبلها أدى نور الشريف أيضًا شخصية السائق في فيلم (سواق الأتوبيس) حيث باع "حسن" التاكسي الذي يملكه لسداد الضرائب المتراكمة على ورشة والده.

وبعد قرار محكمة القضاء الإداري بإيقاف نشاط شركتي "أوبر" و"كريم" لتشغيل السيارات ومثيلاتها سيكون علينا الإسراع بتقنين أوضاعهم –دون أن يتحمل المستهلك أعباء إضافية على الخدمة- حيث يجب أن نضمن استمرارية وجود هذه الشركات في السوق المصري، لأنها مصدر رزق لعشرات الآلاف من الموظفين مع أهمية الحفاظ على حق الدولة، وتحقيق العدالة مع سائقي التاكسي لحماية مصادر دخلهم حتى نضمن استمرارية عمل "سيد" و"حسن" وغيرهم من الشرفاء في هذه المهنة.

ولكن سيكون من المهم أيضًا حث سائقي التاكسي على تطوير منظومة عملهم، والبدء في استخدام التكنولوجيا لمخاطبة العملاء، لأن الضمانة الوحيدة لاستمرارية وجودهم في السوق ليس محاربة الخدمات الجديدة للنقل ولكن تطوير خدماتهم حتى لا يتعرضوا للانقراض مثل الديناصورات.

يظل بقاء "التاكسي" مرهونًا بتلافي العيوب المتواجدة به وليس إقصاء المنافسين، كذلك البدء في تقديم خدمات مميزة قادرة على المنافسة، لأن زمن احتكاره السوق بأكمله قد انتهى تمامًا بلا عودة.
Advertisements
الجريدة الرسمية