رئيس التحرير
عصام كامل

بن سلمان.. عمق الفكر وصلابة الحكم


كتبت مقالا في نهاية أبريل العام الماضي بعنوان "أوامر ملكية لتمكين محمد بن سلمان"، ذكرت فيه أن "الأوامر الملكية التي فاجأ بها خادم الحرمين العالم وطالت الأمن والاقتصاد والعلاقات الدولية ومكافحة الفساد، ولم تغفل مكافأة الشعب والتخفيف عن المواطنين، تهدف بالأساس إلى زيادة نفوذ ابنه الأمير محمد بن سلمان، وتمكنه من بسط هيمنته على أمور المملكة، وتجرد في الوقت نفسه ولي العهد حينذاك محمد بن نايف من صلاحياته ونفوذه، وقلت في النهاية إن جميع ما يحدث في السعودية لتمكين بن سلمان ما يعني الإطاحة القريبة بمحمد بن نايف".


لم تمر سوى بضعة أسابيع، حتى أصدر الملك سلمان قرارا بإعفاء الأمير محمد بن نايف من جميع مناصبه، وتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، نائبا لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للدفاع، ومن يومها شهدت المملكة قرارات ثورية على كافة الجبهات، رافقتها إصلاحات واسعة النطاق استهدفت الصالح العام، وتنويع مصادر الدخل على الصعيد الداخلي، وتحسين صورة المملكة على الصعيد الدولي، وزيادة شعبية الأمير محمد بن سلمان قبل أن يصبح ملكا.

راقبت كغيري قرارات ولي العهد السعودي وطريقة إدارته للحكم، وللحقيقة رغم صغر سنه وقلة خبرته السياسية إلا أنه يتمتع بحزم واضح، وتفكير عميق وصلابة في الحكم واتخاذ القرار، استمدها من دعم غير محدود من والده وخبرة وإخلاص المحيطين به من وزراء وشاغلي المناصب القيادية، وهم الذين استعان بهم لمعاونته على مشقة الحكم، مفضلا من البداية الاعتماد على "التكنوقراط" لتنفيذ رؤيته الطموحة لنقل السعودية إلى مصاف دول العالم الأول.

كنت أكتفي بمتابعة مقتطفات من الإطلالات التليفزيونية السابقة لولي العهد السعودي، لكن لأن زيارته الحالية للولايات المتحدة تكتسب أهمية كبرى، وسيترتب عليها الكثير من الأمور لمستقبل الشرق الأوسط، حرصت على مشاهدة مقابلته مع برنامج "60 دقيقة" عبر قناة "سي بي اس" الأمريكية، خصوصا بعد أن زار مصر كأول دولة يتوجه إليها بعد تسميته وليا للعهد، واتفاقه على الكثير من الأمور مع الرئيس السيسي.

أول ما يلفت الانتباه ويثير الإعجاب والدهشة في آن واحد أن الأمير بن سلمان قدم نفسه للشعب الأمريكي كحاكم بسيط مثقف واثق من نفسه لأبعد الحدود، يهمه مصلحة بلده وشعبه أولا، كما كشف عن ثقافة رفيعة وتواضع جم وشفافية بلا حدود. كما وضح من مقابلته الأولى مع قناة أمريكية أنه لم يفرض شروطا مسبقة، ولم يرفض الحديث عن أي موضوعات.

بن سلمان تطرق بشفافية ووضوح تام إلى الحرب في اليمن، وحملة مكافحة الفساد التي بدأت بأمر مباشر منه، ونتج عنها توقيف رجال أعمال وأمراء سعوديين في فندق "ريتز كارلتون".. كما تحدث بثقة شديدة عن إيران، وأبدى تأييدا تاما لدور المرأة في المجتمع السعودي. ثم كيفية إساءة تفسير الإسلام من قبل المتطرفين، سواء تعلّق الأمر بحقوق المرأة، أو التعليم، أو التقاليد الثقافية، وتعهد بالقضاء التام على تغلغل "الإخوان المسلمين" في المملكة.

وكما قالت المذيعة "نورا أودونيل" التي حاورت بن سلمان "أبدى ولي العهد رغبة في إظهار ما يؤمن به للشعب الأمريكي، وأن المملكة السعودية في طور التغيير. وأراد إيصال أفكاره بوضوح إلى المُشاهِد، كما لم يرفض سؤالا أو يضع شروطا".

برأيي الشخصي إن أهم ما يميز بن سلمان سرعة اتخاذ القرار، والقدرة على تنفيذه وجني ثماره، وتجلى هذا في حملة مكافحة الفساد، التي أوقف فيها المئات من كبار المملكة، ولم يخل سبيلهم إلا بعد تنازلهم للخزينة العامة عن أكثر من 100 مليار دولار، ومع ذلك قال عن الحملة "مكافحة الفساد لم تهدف لجني المال وإنما معاقبة الفاسدين وتعميق الإصلاحات".

ويحسب لولي العهد اهتمامه بالمرأة، ومنحها حقها في قيادة السيارة وحضانة الأطفال، كما بشرها في اللقاء بأن المساواة في الأجور والرواتب بين الجنسين ستقر قريبا. فضلا عن أنه فتح باب الترفيه على مصراعيه، وعادت الحفلات والأغنيات والمسرح وغيرها إلى المملكة، وبدأ بناء أول دار أوبرا، لتتساوى السعودية مع بقية الدول بعد سنوات طويلة من الانغلاق والتزمت.

يقف ولي العهد وراء رؤية 2030، ومشروع "نيوم" الذي يعني "المستقبل الجديد" وهي مدينة عملاقة طموحة جدا لتحويل المملكة إلى نموذجٍ عالمي رائد في مختلف جوانب الحياة. كما تعهد باستمرار سياسة محاربة الفساد والراديكالية والقضاء على "الإخوان" ولن يوقفه عن الإصلاح إلا الموت.. فلا نستغرب إذن إن تنازل له والده قريبا عن حكم السعودية على أن يحتفظ لنفسه بلقب "خادم الحرمين الشريفين".
الجريدة الرسمية