رئيس التحرير
عصام كامل

هشام مناع يكتب: هل تسامحني أمي؟

هشام مناع
هشام مناع

أمي.. كل عام وأنتِ بخير، كل عام ونحن نعيش بين أحضانك وحنانك، لا أدري بأي كلمات أعبر بها عن مدى امتناني وتقديري لما قدمتيه لنا، حين كنا صغارًا، لم ندرك ما تقومين به من جهد ورعاية، ها نحن كبرنا ولم تغب ذكريات الطفولة عني يومًا، حاضرة يا أمي بكل تفاصيلها ومشاهدها، تتكرر أمامي يوميًا، ولا أملك إلا الصمت في حرم الذكريات الجميلة، ولعجزي عن تقديم ما يرد معروفك لي، هو العجز "المؤقت" إن شاء الله يا أمي، آملا أن تبسط الدنيا يدها لي، وقد قبضتها منذ أمد بعيد.


معذرة يا أمي في عيدك، وألف معذرة، فبدلا أن أمكث معكِ لرعايتك بعد أن صرت رجلا قد شب عن الطوق وهذه الآلة التي نسميها الجسد قد خذلتها، تغربت وصارت الأميال تبعدنا، أميال بعيدة يا أمي لم تبعد يومًا حبي لكِ وخوفي عليكِ وانشغالي عليكِ.

تغربت رغم يقيني بأن العمر قصير، والساعات فيه لا تلبث أن تنقضي، أمي تعدت الخمسين من العمر، أذكر ذات يوم كانت تحملني إلى المدرسة، وقبيل باب المدرسة، قلت لها يا أمي إن بنطالي خشن الملمس على جسدي هل نعود لنبدله؟ فابتسمت الرحمة في عينيها، وحملتني مرة أخرى وعدنا إلى المنزل، فكنت أتظاهر بالتعب حتى تحملني أمي، لعلها الوحيدة التي عريت جروحي أمامها، فباتت تمص دمي وتحكي لكي بمداد الوجع، لتداوي تلك الجروح التي أنهكتني، فعيوني يا أمي كانت أكثر مني فصاحة وأسرع نفاذا إلى الأفئدة، حين تحدثك.

قبل أسابيع أمر الطبيب بإيداع أمي الرعاية المركزة، علمت بالخبر فضاق مجال العبارة واتسع مجال الدمعة، فكنت بعدها بلحظات تاركًا بلاد الغربة عائدا إلى وطني لأطمئن عليها، فما أن رأتني حتى أومأت بابتسامة واتسع حضنها، كنت أتساءل في تلك اللحظة أين أخفي دموعي، حين رأيتها شاحبة الوجه راقدة بالعناية فاقدة أكثر من نصف وزنها في ساعات معدودات، فخرجت مسرعًا بحجة أن وجودي في الرعاية خطرًا على صحتها، خرجت حتى لا تشاهد دموعي.

حب الأم والأب هو الحب المجاني الذي يحصل عليه الإنسان في حياته، حافظوا على هذا الحب، ولا يغرنكم بالله الغرور، ستبقين يا أمي في جوف القلب.. وأرجوكِ سامحيني على تقصيري.
الجريدة الرسمية