البشير.. خطوة عزيزة ولكن!
صراحة.. لا أحد يعرف سبب زيارة الرئيس البشير لمصر أمس إلا قيادات البلدين، وربما تبحث القيادة المصرية حتى الآن عن السبب الحقيقي.. فالمؤكد أن الزيارة مفاجئة تطلبت فقط ألا يكون الرئيس السيسي مرتبطا بما يمنعه من استقبال الضيف الكريم.. وبعد التأكد من ذلك جاء الرجل وعلي عجل، وتم إعداد برنامج الزيارة وبسرعة كبيرة نجح المشرفون على الترتيبات في إعدادها بالشكل اللائق جدا الذي رأيناه أمس خصوصا في الصالة المغطاة باستاد القاهرة..
فربما جاء الرجل -ومن باب المجاملة- ليقول إنه يدعم الرئيس السيسي انتخابيا مع تقديم الأمنيات بالتوفيق.. وربما استجد داخليا أو في دول جوار السودان أو غير دول الجوار ما أراد الرئيس البشير إبلاغه لمصر.. وربما جاء ليفي بتعهدات سابقة تطلبت دراستها.. وربما جاء ليرد زيارة الرئيس السيسي خصوصا أن آخر زيارة له كانت منذ أكثر من عام ونصف تقريبا.. لكن من مبدأ أن البشير لا يحتاج إلى أسباب لزيارة بلده الثاني لذا لا يعنينا السبب بقدر ما تعنينا النتائج..
فمصر تنتهج مبدأ "الحوار عام خير من العراك شهر" وتؤمن بامتداد مصالحها وأمنها القومي بعيدا بعيدا.. وبالتالي تري أنه من المهم ألا تنجر لأي استفزاز، ولا يصح جرها إلى تعقيدات إضافية لمشكلات قائمة، وتؤمن أن الدبلوماسية الهادئة كفيلة بتوضيح حقائق كثيرة، خصوصا أن المتربصين كثيرون يصطادون دائما في الماء العكر لإيمانهم بضرورة إفساد العلاقات المصرية- السودانية بأي وسيلة لاستمرار الأزمات بين البلدين أولا ولمنع أي تكامل مفيد وإيجابي تدرك تلك القوى أهميته لقوة البلدين وخطورته عليها!
ومن النقطة الأخيرة نؤمن تماما بإدراك الرئيس السيسي أن كرم الاستقبال وأخلاقيات الاستضافة بل وحتى الود الأخوي الصادق هي أمور لها كل التقدير والاحترام، لكنها لا تصنع علاقات مصالح دائمة، وإن صنعت فإنها لن تصمد أمام إغراءات دائمة من هنا وهناك استغلالا لأزمات متعددة.. فربما رفض الرئيس السيسي أن يختلف استقبال البشير عن استقبال الأمير محمد بن سلمان، وأراد لتتالي الزيارتين ورغم قصر زيارة البشير أن يكون فيها ترحيب مختلف عن كل مرة إلا أن اعتقادنا أنه أيضا سيقدم فورا للسودان ما يربط بين العاطفي والسياسي العملي..
ربما يتم تفعيل معاهدة الحقوق الأربعة- وهي محل شكوي سودانية دائمة- وقد تشرف الدولة المصرية على ذهاب مستثمرين مصريين إلى السودان والمزارع والأرض جاهزة، ومصر تحتاج إلى الإنتاج الزراعي والحيواني، وأفق التكامل قائمة واستبدال اللحوم الأجنبية باللحوم العربية السودانية أو تزايد نسبة الاعتماد عليها وارد جدا وغيرها من آفاق التعاون..
أيا كان الأمر لا نعتقد أن الأيام القادمة كالأيام المنصرمة وإلا سنحتاج إلى ترميم جديد بعد فترة لعلاقات مستهدفة على الدوام، لكن لا ولن يوقفها على أرض صلبة ـ ورغم أنها مع أشقاء في العروبة نعيش من شريان واحد ـ ألا المصالح المشتركة!
