محمد أحمد كامل يكتب: حواديت
كان ياما كان ذكريات جميلة كانت تجمع بين سخرية الحياة من عقولنا الصغيرة وبين أحلامنا التي نسعى لتحقيقها إلى اللحظة.
زمن لا يحمل الأعباء، لا يشغلنا سوى اللعب واللهو وقضاء أسعد الأوقات وسط الأحباب، كانت أمانينا جميلة وحواديتنا بسيطة، تلك الأيام المتجسدة في الصدق والهدوء، والطمأنينة، وراحة البال، ونقاء القلوب، وصفاء النفوس، واحترام الكبير.
فالحياة كالقطار، تسير بلا توقف، ومع اقتراب كل محطة يرحل أناس ويدخل حياتنا أناس آخرون، بمزاياهم وعيوبهم، ولكن من يستمر مع من لآخر الخط؟.
الحياة مسلسل مكون من حلقات بعدد الأيام المقدر لك أن تعيشها، أنت بطلها، وأنت من تحدد من يكون ضيف شرف ومن يكون بطولة ثانية ومن يكون كومبارس.
كل يوم في حياتك بـ"حدوتة" جديدة، وما أجمل من حكاوى زمان، فرحم الله أياما كانت تتجمع الأسرة والعائلة على طاولة واحدة دون حقد أو زعل أو نظرة خبيثة، ورحم الله أياما ننتظر الرابعة عصرا لحضور الأب وتناول الغداء، خروجات كل خميس أو جمعة، استنشاق هواءً نقي نشتاق إليه إلى الآن.
مرت السنوات منذ دخول المدرسة بكل مراحلها، ومظاهر الفرحة في هذه الأوقات المتمثلة في.. الصحيان من بدري يوم الجمعة، التسابق من أجل شراء الفول والطعمية، والعيش السخن والجرجير، تناول الشاي بالحليب الذي اختلف مذاقه عن هذه الأيام، لا أعلم إن كان طعم الشاي هو الذي تغير، أم تغير أسلوب تذوقنا له.
مشاهدة التلفاز وسر الأرض وعالم الحيوان، الشيخ الشعراوي والفيلم الأجنبي، ماتش كورة بصورة بتقطع وتظبيط الإريال، تكوي هدومك وتستعد للمدرسة علشان تقابل صحابك وتضحكوا ضحكة من القلب، وشيل هم آخر يوم امتحان في آخر كل مرحلة، وطول الفترة اللي مش هنشوف فيها صحابنا تاني، قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي.
ثم دخول مرحلة الجامعة وتحديد المصير والنظر إلى المستقبل، ومحاولة لتحقيق الحلم المراد.
وبدأت مرحلة العمل.. وتكوين الذات، ولكن ما زلت أفتقد طفولة مضت بعفوية وعنفوان شبابي، الرقص بأيام العيد بحرية وأفتقد قلبا نقيا يصدقني القول، أفتقد كل من له بصمة بحياتي.. فهل تعود تلك الأيام الخوالي؟
تلك الذكريات بحلوها ومرّها للجميع هي ذات طعم واحد في مختلف الأجيال، فلا للزمان ولا للمكان تأثير بها، ولكن كلما تقدم الإنسان بالعمر يكون لأيام الطفولة قيمة أكبر وشغف في استعادتها بل والبحث عن نفس أولئك الأشخاص الذين شاركوه تلك الأيام حتى يصبحوا كفرقة موسيقية محترفة يعزفون موسيقى راقية.
الزمان لن يعود إلى الوراء، والقادم أصعب، لذا يجب عليك أن تتعرف على أولوياتك في الحياة، وبناءً عليها، تقرر من أين تبدأ حدوتة جديدة.
