رئيس التحرير
عصام كامل

يا وزير التعليم.. «ما هكـذا توّرد الإبــل»


تحدثت في مقالات سابقة عن ضرورة تطبيق مبدأ "الحوكمة في اتخاذ القرار" ولابد من نقل هذا المبدأ من النظرية إلى التطبيق! وهذا أملا في تطبيق مبادئ "الحوكمة الرشيدة" في اتخاذ القرار وإدارة المنظومة التعليمية، مثل الشفافية والوضوح وغيرهما، هذه المبادئ التي أرى أن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي يطبقها بالفعل في كثير من قراراته منذ توليه المسئولية.


كنت أتمنى أن يحذوا المسئولون -وعلى رأسهم الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم- حذو السيد الرئيس ولكن هذا لم يحدث.

سيدى الوزير "الحوكمة الرشيدة" تعنى "الانضباط في اتخاذ القرار"، وأن نجلس على طاولة مستديرة بها أضلاع المثلث الثلاثة للعملية التعليمية وسماع آرائهم ومشاركتهم في صنع القرار قبل اتخاذه: "الحوكمة الرشيدة في اتخاذ القرار" تعنى تهيئة البيئة التشريعية والبنية التحتية أولا قبل اتخاذ القرار"، الحوكمة الرشيدة تعنى أن تكون الأجهزة التنفيذية والمساهمين في العملية التعليمية على دراية كاملة بمراحل اتخاذ القرار وأى خطة للتطوير أو التغيير.

غياب الحوكمة الرشيدة هي السبب في التراجع عن كثير من القرارات، وغيابها أيضًا جعل صعوبة بل استحالة تطبيق عدد ليس بقليل من التصريحات، مثل تطبيق "الفصل المقلوب"، أو مناهج الإلكترونية بنظام ثرى دى، أو إلغاء الكتاب الورقى والاعتماد على التابلت والمناهج الإلكترونية، أو نظام ثانوية عامة تراكمى، أو امتحانات بنظام الكتاب المفتوح أو غيرها.

غياب الحوكمة الرشيدة هي التي جعلت نظام الثانوية العامة الجديد بعبع كل البيوت قبل تطبيقه، الأمر الذي أرى أنه السبب في عدم اعتماد المشروع منذ ثلاثة أعوام وأكثر حتى الآن، بالرغم من أننى أتحفظ أن أطلق عليه مسمى "مشروع" بل مجرد أفكار دون الإعلان عن أي آليات تنفيذ أو تكلفة أو مصادر تمويلها، وأصبح نتيجة طبيعية تأجيل موافقة مجلس الوزراء عليه مع توقعات باعتماد ميزانية هذا العام بدون الموافقة على أي شيء من الذي تم إعلانه.

مواد الدستور المصرى 2014 جعلت من رابع المستحيلات أن نضع سياسات تعليمية حسب الأهواء والمزاج الفردي، ولكن الأهداف التعليمية في مصر لابد أن تكون ترجمة للدستور الذي وضعه الشعب المصرى بناءً على أحلامه في غد أفضل، لذلك فإن الأهداف التعليمية ليست فقط تغيير أوضاع خاطئة أو حل لمشكلات قائمة، ولكن لابد عند وضع أي خطة للتطوير أو التغيير أن تكون السياسات التعليمية بها مرنة وقابلة للتنفيذ وفق موارد المجتمع وإمكانياته من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والثقافية، ثم يتطلب التنفيذ أيضًا توفير قاعدة بيانات كاملة سواء للموارد المادية أو البشرية للمجتمع، بالإضافة إلى وضع رؤية تفصيلية للفرص والتهديدات ونقاط القوة والضعف وآليات التنفيذ والتكلفة وغيرها.

فالتغيير ومواكبة العالم الخارجي بالفعل أصبح مطلوبًا وبقوة، ولكن يجب أن يكون وفق منهج علمي في إدارة التغيير ومشاركة كل الأطراف المعنية في عملية التغيير والتطوير، والتي تعتبر هذه المشاركة بمثابة العمود الفقرى لنجاح التطوير، ولا يمكن أبدًا أن يكون التغيير والتطوير أو حتى التخطيط سرا حربيا أو يكون وفق الأهواء والأغراض الشخصية، ولكن لابد أن يكون معلنًا للجميع مع الأخذ في الاعتبار أن التغيير لا يعنى قلب النظام الحالى رأسًا على عقب وتطبيق نظام جديد.

من وجهة نظري الشخصية، دور المسئول أو الوزير بأي وزارة ليس فقط لمعرفة المشكلات أو تقديم حلول لها.. فمشكلاتنا معروفة وحلولها أيضًا معروفة، ولكن هنا ينحصر دور المسئول في جمع مصادر تمويل الحل بعيدًا عن ميزانية الدولة بأفكار خارج الصندوق، ينحصر دور المسئول في وضع البدائل الجديدة في الحلول لتلك المشكلات ويكون جميعها قابلًا للتنفيذ..

فالحلول البديلة هي التي تحدد ذكاء وقوة تفكير المسئول وليس الحل الأصلى للمشكلة والذي يكون في الغالب معروفًا للجميع، ولكن الحلول البديلة هي الأهم؛ لأن الحلول البديلة تعتمد على التفكير الابتكارى للمسئول.. ولو اضطر المسئول أن يعمل على مبدأ "الوقاية خيرٌ من العلاج" وهذا أضعف الإيمان.. وهنا نستطيع أن نقول لا يستطيع أي مسئول وضع حلول بديلة إلا من خلال العمل في فريق ولا يمكن أيضًا أن يقتصر التفكير على تفكير المسئول وحده؛ لأنه بالطبع سينتج أفكارًا من جانب واحد قد يكون احتمالية أن يجانبها الصواب هو الأقرب، يا معالي وزير التعليم "ما هكـذا توّرد الإبــل".
الجريدة الرسمية