رئيس التحرير
عصام كامل

داخل «مصنع الأبطال».. أصحاب «الكراسي المتحركة» يصنعون المجد في كرة السلة

فيتو

قبل سنوات ، فقد زياد عبد الرحيم صاحب الـ16 عاما، إحدى قدميه في حادث قطار، بُترت ساقه اليسرى، واستعان بـ"عكاز" يستند إليه في تحركاته اليومية، قضى الشاب الصغير أيامًا طويلة يبحث عن لعبة تشبع شغفه بممارسة الرياضة، وحين قرر النزول إلى أرض الملعب كانت اللعبة هي "كرة السلة"، التي كون شباب ورجال في مثل حالته فريقًا لها داخل نادي إمبابة.




انضم زياد للفريق، وسرعان ما لفت أنظار الجميع لموهبته، وقدرته على التلاعب بالكرة وبمنافسيه وصولا إلى الشبكة، ومنذ اليوم الأول له في الملعب أدرك مدربه أنه أمام موهبة من نوع خاص، صمم المدرب على أن يخوض زياد أولى مباراياته مع الفريق على كرسي غير مؤهل لممارسة اللعبة، كنوع من الاختبار في بداية الطريق ليفاجئ اللاعب مدربه بموهبته وإصراره، ويضع قاعدة جديدة لنفسه يتعلم منها الجميع أن «ليس هناك كبير وصغير على أرض الملعب فالإصرار والموهبة يصنعان الأبطال".



"بنعمل من الفسيخ شربات عشان نوفق إعاقتنا مع الكراسي المتاحة أمامنا، لأن لو معملناش كدة هنقعد في البيت ونموت".. دون مقدمات أو إعطاء فرصة للتعارف، كانت كلمات «شريف مبروك»، أقدم لاعبي كرة السلة للكراسي المتحركة، صريحة وصادقة، تخرج منه في بداية حديثه عن تاريخ اللعبة، ليلخص حال لاعبي كرة السلة لذوي الاحتياجات الخاصة، دون تزييف أو تجميل الواقع الذي يعيشون فيه.



«الإعاقة والتقدم في السن لم يمنعا شوقي صاحب الـ44 عاما من رغبته وشغفه بكرة السلة، يدخل شوقي من باب نادي «إمبابة» رفقة عكازين أصدقاء عمره، حاملًا بعض متعلقاته الشخصية وملابسه الرياضية، ليبدأ يومه داخل «مصنع البطولات» اللقب الذي يطلقه اللاعبون على نادي إمبابة الذي اشتهر بين الأندية الرياضية لذوي الاحتياجات الخاصة.



«عاوزين نخاف على بعض ومنعورش بعضنا، الرياضة مش مكسب بس أهم حاجة نطلع إمكانياتنا ونستمتع ونلعب وإحنا مبسوطين»، بمجرد سماع تلك الكلمات الحماسية من «جمال جاد الرب»، «الأب الروحي» للاعبين قبل أن يكون مدربهم، ينسى الجميع كل هذه الأزمات التي يمرون بها في اللعبة، ويبدأ اليوم بالاستماع للمحاضرة، وتقسيم اللاعبين لفريقين، لتنفيذ الخطة في التدريب على أرض الصالة الخضراء.



صعوبات كثيرة تواجه الراغبين في ممارسة كرة السلة من ذوي الاحتياجات الخاصة يكشفها مدرب الفريق: "فيه مشكلات كتير بتقابلنا لكن أهمها توفير كرسي مُجهز، خصوصا أن سعر الكرسي مرتفع للغاية، وأغلب من يمارسون اللعبة غير قادرين على شرائه، لكنهم يتغلبون على تلك المشكلة بطرق أخرى منها تجميع كرسي بسعر مناسب لإمكانياتهم المادية". 



الفريضة اليومية، شيء مقدس للاعبين، قبل النزول لأرض الملعب، أو الحديث عن الخطة، فيجلس الجميع على الكراسي، لأداء صلاة الجماعة على حافة الملعب.



يصطف لاعبو الفريق صفا واحدا، أمام المدرب وأيديهم فوق أكتاف بعضهم البعض، لإلقاء نشيد النادي، بأصواتهم التي تظهر فيها روح العزيمة والقتال من أجل تحقيق أحلامهم البسيطة على أرض الملعب.



تنطلق التدريبات بعمليات الإحماء السريعة، ويكشف اللاعبون عن مرونة غير متوقعة: "إحنا بنتدرب 3 أيام في الأسبوع عشان نحافظ على لياقة اللاعبين، خصوصا أننا مقبلون على المشاركة في بطولة الجمهورية لكرة السلة لأصحاب الكراسي المتحركة".



يأخذ لاعب الفريق «الأبيض»، قسطًا من الراحة بعد انتهاء عمليات الإحماء، بتناول كوب من الشاي، ليعود مرة أخرى لأرض الملعب.



يخطف مجدي طلعت، أصغر لاعبي المنتخب الوطني 22 عاما، نجم فريقه، أنظار كل من يشاهده، ليثبت للجميع أن الإعاقة لم تكن حائط صد أمامه، فموهبته تذهل كل من يراه، ليثبت أن قدراته ومهاراته تفوق من يسير على قدميه، وتتخطى إعاقة النقص الخلقي الذي ولد به في قدميه ويديه.



يوم «مجدي»، داخل «مصنع البطولات»، يبدأ بحوار مع الكرة، وكأنه يتحدث مع حبيبته، تشعر في نظرته أنه يتحدث معها وتنصت له لتلبي رغباته بكل سهولة، من أجل إشباع موهبته الذي أثنى عليها جميع المدربين.



«أحمد بيبو» أحد أبناء «نادي إمبابة» الذي يرتدي رقم 10، أحد نجوم المنتخب الوطني، لاعب يتمتع بقدرات خاصة من الصعب أن يفقد الكرة بسهولة، فهو من أمهر لاعبي كرة السلة الذي يتميز باللعب في مركز صانع الألعاب.



لم يختلف وضع «مجدي» كثيرًا عن «زياد»، فنجم المنتخب الوطني ينافس «مدربه»، الذي قرر النزول لأرض الملعب من أجل المنافسة، إلا أن مجدي «الحريف»، لم يضع أمامه شيء سوى الحصول على الكرة بشكل سريع، وتنفيذ خطته بالمراوغة كالعادة، لتجد الجميع يصيح خارج الملعب في حالة حماسية.



تظهر علامات التركيز على «مجدي» منذ دخوله أرض الملعب قبل أصدقائه، فكل هدفه هو التمرين بشكل جيد، من أجل الاستعداد لتحقيق بطولة جديدة مع «منتخب مصر»، بعد حصوله على المركز الثاني على الجمهورية.



المباراة لم تتوقف منذ انطلاقها، فالحماس يزداد على أرض الملعب كل دقيقة، فمع كل كرة تحلق في الهواء تجد «بيبو» يرافقها محاولًا قطعها من الخصم لإثبات ذاته والوصول إلى الشبكة لإحراز هدف التقدم لفريقه.



لم تكن هناك فرصة للتفكير في شيء سوى الوصول للهدف، الجميع ينافس بكل قوة من أجل الفوز في نهاية المباراة وتحقيق نتائج إيجابية.



جميع اللاعبين صامتون في تلك اللحظة، المباراة تتوقف لإنقاذ صديقهم بعد انقلابه بالكرسي على أرض الملعب، عقب اصطدامه بلاعب الفريق «الأزرق» للحصول على الكرة، إلا أنه يحاول الاطمئنان على حالته ومساعدته للنهوض مجددًا بعيدًا عن الفائز أو الخاسر.



البداية فرح والنهاية حزن وألم، هذا هو حال «مجدي» بعد انتهاء المباراة، فرغم الفوز على غريمه التقليدي بفارق 6 أهداف، تعرض للإصابة في يديه من «الكرسي المتحرك» الذي حاول تجميعه بمجهوده من أجل حبه وعشقه لكرة السلة».



الجريدة الرسمية