رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية ستنا «هبة» والسعيد «عبدالله»


ربما تجد حكاية (هبة) بعيدة جدًا عن جنون كرة القدم، والذي صار مرضًا حقيقيًا عند بعض الشعوب ونحن في مقدمتها دون أدنى شك، وبعيدًا جدًا عن تعلق ملايين المصريين والعرب بركلة كرة من حذاء لاعب محترف خارجيًا، أو مغترف داخليًا، فيحصل على ملايين كثيرة ومستفزة لكل من له قليل من عقل أو حتى ضمير، لكنك تجد نفسك منساقًا، بدون إرادة، إلى التعليق على تلك الواقعة الإنسانية الفريدة والربط بينها وبين الست كورة..


فحكايتنا قلما نجد لها مثيلا في العالم كله.. إنها باختصار شديد حكاية ستنا "هبة".. نعم، هي ستنا وتاج رءوسنا ومعلمتنا وقدوتنا، والتي كان لأحد شباب فيس بوك السبق في نشر حكايتها ولفت الأنظار إليها قبل كل الصحف الورقية والمواقع الصحفية المختلفة.. لكن ما علاقة السيدة المحترمة الفاضلة هبة بالكرة وجنونها وملايين عبد الله السعيد، وصراع الأهلي والزمالك على الظفر بحذائه!

الحكاية باختصار أن السيدة (هبة) زوجة مصرية أصيلة وعظيمة وبالقطع فقيرة ماديًا، تبلغ من العمر 32 عامًا فقط وتسكن أحد الأحياء الفقيرة في القاهرة الهادرة، لكنها تجود بثراء إنسانى يكفى أهل الأرض جميعًا.. منذ ست سنوات أصيب زوجها أو (راجلها) بأمراض شديدة أقعدته عن العمل، وجعلته في حاجة ماسة للغسيل الكلوى ثلاث مرات أسبوعيا، وأثرت فى أطرافة على الحركة، فما كان من هذه السيدة العظيمة إلا أن حملت زوجها على ظهرها للذهاب ثلاث مرات أسبوعيًا لمركز الغسيل الكلوى ولغيره من أماكن علاجه، فضلا عن قيامها بالعمل والإنفاق على الزوج المسكين وأطفالهم الثلاثة!

القصة لا تحتاج منا للكثير تعليقًا عليها، ومهما كتبنا عن هذه المناضلة الشريفة الراقية الوفية لن نوفها حقها، ولكن.. هل فكر أحد من أثرياء كرة القدم في التبرع لهذه السيدة وزوجها! هل فكر أحد داعمي صفقات الأهلي والزمالك في دعم هذه السيدة العظيمة لوجه الله تعالى، وليس طمعا في الحديث عن رعاية سيادته أو سموه لأحد مليونيرات الكرة.. هل صار الحذاء الذي يركل الكرة أغلى وأعظم من الإنسان؟ للأسف يبدو كذلك!

تذكرت حكاية (هبة) وأمثالها من فقراء بلادى وأنا أرى لاعب كرة يتقاتل عليه ناديان ويعلنان الحرب في المؤتمرات الصحفية يوميا من أجل توقيع سيادته، بل يصل الأمر بأن يمنح أحدهما هذا الاعب 50 ألف جنيه يوميا.. نعم الرقم صحيح طمعا في قربه ووصاله، فعندما يحصل عبد الله باشا السعيد على 45 مليون جنيه في ثلاث سنوات، فهذا يعنى ببساطة أن راتبه اليومى يقترب من 50 ألف جنيه! هذا بخلاف مكافئات الفوز والتعادل وبدلات الانتقال والتدريب والسفه أيضًا!

تخيل دخل هذا اللاعب السعيد في يوم واحد فقط، كفيل بإنهاء معاناة أسرة امرأة عفيفة عظيمة مكافحة مجاهدة صبور مثل ستنا (هبة)، تخيل أن أجر يوم من راتب مثل هذا اللاعب يمثل حلما لها ولزوجها ولأبنائها ويغنيهم عن العوز طوال عمرهم، تخيل أن أجر يوم واحد فقط يمكنه أن يؤمن مستقبل لأسرة معوزة مفقورة مسكينة تحمل امرأة فيها هموم تنوء بها الجبال ولا يعرفها أشباه الرجل ولا المرفهين، ولا أصحاب الحظوة والمال السائب الحرام في دنيا الكرة !

خمسون ألف جنيه يمكنها أن تشترى لهم سيارة صغيرة تعمل بالأجرة أو حتى (توك تك) يحرمهم من كسرة الظهر اليومية اويوفر دخلا معقولا للعيش.. مجرد العيش بكرامة وبإنسانية يستحوقنها هم وأمثالهم من المفقورين المغلوبين على أمرهم.. لكن هذا لم يحدث حتى تاريخه.. نسيت شيئًا واحدًا فقط وهو أن (هبة) لم تتمكن من الذهاب لمباراة تصفيات مصر في كأس العالم ولم تصطادها كاميرا وهى تبكى على دخول هدف مرمى السد العالي.. كنت روحى يا (هبة) وابكى حتى تنهال عليك التبرعات لوفائك للكرة رمز الوطنية.. ربنا لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا ولا تحرم أمثال (هبة) ممن يشعر بهم ويتبرع لهم ويمنحهم حقهم في الحياة.
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية