رئيس التحرير
عصام كامل

سفيرة عزرائيل.. أجهضت نفسها 3 مرات وقتلت رضيعتها في مقلب زبالة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

بين متاهات الحياة وخلف وجوه البشر، قصص وحكايات أغرب من الخيال.. أبطالها أشخاص عاديون تحولوا في لحظات إلى أسماء في محاضر الشرطة وتحقيقات النيابة.. والواقعة التي تحملها السطور التالية واحدة من تلك الحكايات، بطلتها امرأة شابة، أجهضت نفسها 3 مرات ثم قتلت رضيعتها في المرة الرابعة، لا لشيء سوى خوفها على الصغار من ذل الفقر وقهر الحاجة.. تفاصيل الواقعة المثيرة يرويها محقق “فيتو” كما جاءت على لسان الأم القاتلة في تحقيقات نيابة الساحل:


بكلمات ملأتها الحسرة والألم والقهر قالت: عمري 25 عاما قضيتها في بؤس وشقاء وذل، فقد ولدت لأب يعمل “أرزقي” يبيع المناديل في الشوارع وإشارات المرور، وأم خادمة في البيوت.. قبل أن أكمل عامي الرابع اصطحبني والدي للعمل معه، تارة أبيع المناديل وأخرى أتسول من أصحاب السيارات والمارة في الشوارع. 

مرت السنوات سريعا ودخلت في مرحلة الشباب وبدأت تراودني أحلام الفتيات وتمنيت الزواج من شاب ميسور الحال ينتشلني من الشقاء الذي أعيش فيه.. تعرفت على “محمود” ورغم أنه سيئ السمعة ومعروف في المنطقة بإدمانه لشتى أنواع المخدرات، إلا أنني تخيلت أنه الوحيد القادر على تخليصي من الجحيم الذي أحياه، وبعد فترة قصيرة تقدم لخطبتي ووافقت الأسرة بلا تردد.. تزوجته في غرفة واحدة بحمام فوق السطوح، وفي يوم “الصباحية” أيقظني بصفعة قوية على وجهي وطلب مني النزول إلى الشارع وبيع المناديل مرة أخرى، وقال: “مفيش نوم ياللا انزلي استرزقي”.. رضخت لأوامره لأجد نفسي مرة أخرى في الشارع.

فاطمة أضافت أنها عادت إلى “البهدلة” وتحملت وحدها عبء الإنفاق على الأسرة وتوفير الأموال لزوجها كي يشتري بها المواد المخدرة، وفي كل يوم كان ينهال عليها ضربا وينتزع منها الجنيهات القليلة التي تجنيها من بيع المناديل، ورفض البحث عن العمل وكأنه تزوجها خصيصا لتنفق عليه.. واستطردت: “بعد عدة أشهر اكتشفت أنني حامل، وبدلا من أن أفرح بمولودي الأول مثل كل النساء، وقع الخبر على رأسي كالصاعقة خاصة أنني حملت من رجل لا يفكر في أي شيء سوى مزاجه الخاص وتعاطي المخدرات، ولا يستطيع الإنفاق على نفسه ولا يتحمل مسئولية.

قررت التخلص من الجنين حتى لا يخرج إلى الدنيا ليجد نفسه وسط هذا الفقر المدقع وتلك الحياة البائسة.. ذهبت إلى “داية” عجوز معروفة في المنطقة، وتربطها علاقة صداقة بوالدتي، وأخبرتها برغبتي في إجهاض الجنين الذي ينمو في أحشائي.. حاولت إقناعي بالإبقاء على الحمل لكنني صممت على رأيي وشرحت لها الظروف القاسية التي أعيش فيها.. أعطتني ورقة صغيرة مكتوبة فيها اسم “برشام” وقالت إن واحدة منه كفيلة بإجهاض الحمل، وبالفعل نزل الجنين الأول ولم يلاحظ زوجي الغائب عن الوعي معظم الوقت أي شيء خاصة أنني تحاملت على نفسي وخرجت للعمل كالمعتاد”.

تنهدت فاطمة في ضيق واضح قبل أن تضيف: “بعد شهرين تقريبا من إجهاض الجنين الأول، فوجئت بحملي مرة أخرى وأيضا قررت الإجهاض وهذه المرة لم أكن في حاجة إلى الذهاب للـ”داية” أو استشارة أحد، فقد كانت لدي بقية من “البرشام” الذي استخدمته أول مرة وسرعان ما نزل الجنين.. في هذه المرة أصبت بحالة إعياء شديدة وعجزت عن الخروج للعمل، فثار زوجي في وجهي وراح يهددني ويتوعدني.. أخبرته بما حدث ولم تظهر عليه أي علامات سواء غضب أو فرح، فقط كان يفكر في الأموال التي أجلبها كي يشتري بها “الكيف”.. وأمام إصراره على خروجي للعمل اضطررت للاستعانة بشقيقتي الصغرى، وطلبت منها أن “تسرح” بالمناديل بدلا مني وتعطي الفلوس لزوجي”..

بعد أن تعافيت عدت للعمل مجددا وساءت أحوالي، وبدأ زوجي يعاملنى بقسوة مفرطة واعتاد الاعتداء علىّ بالضرب وتعمد إهانتى أمام الناس.. ثم حملت للمرة الثالثة، وقررت الاحتفاظ بالطفل، ولكن زوجى رفض رفضا قاطعا وطالبنى بالإجهاض للمرة الثالثة وهددني بالطلاق إذا خالفت أمره.. لم يكن أمامي سوى الرضوخ إليه خصوصا أنه إذا طلقني لن تتقبل أسرتي عودتي إليها مرة أخرى حاملة طفلا رضيعا، وأجهضت نفسي للمرة الثالثة”.

“الفقر يعمل أكتر من كدة يا باشا.. كان لازم اختار إنسان كويس قبل ما أفكر أتجوز واخلف”.. بهذه الكلمات عاودت “فاطمة” الحديث بعد فترة صمت استمرت عدة دقائق واستطردت: “شعرت برغبة قوية في أن أكون أمًا مثل باقي النساء، وكان الحمل والإجهاض المتكرر حرك داخلي غريزة الأمومة.. عقدت العزم على الحمل للمرة الرابعة والاستمرار في الحمل حتى الإنجاب.. وكم كانت سعادتي كبيرة عندما اكتشفت أنني حامل من جديد، وتحديت زوجي وأخبرته بأنني لن أفرط في جنيني هذه المرة مهما حدث، فما كان منه إلا أن باع أثاث الحجرة التي نقيم فيها وأنفق ثمنها على المخدرات، ثم اختفى في مكان لا أعلمه.

شعرت بحسرة وقهر لا يوصفان، وسيطر الشيطان على ذهنى وراح يوسوس لى قائلا: “ماذا سأفعل بطفل كتب عليه الذل والفقر قبل أن يولد؟ وأقنعنى بأن التخلص منه أفضل من أن يعيش ذليلا مثل أمه.. ذهبت إلى “الداية” مرة أخرى وأخبرتها بالأمر، فأكدت لي أن الإجهاض للمرة الرابعة فيه خطر كبير على حياتى، وليس أمامى سوى أن أرضى بالأمر الواقع واستكمل الحمل.. مرت الشهور سريعة وحانت لحظة الولادة، وتوجهت إلى مستشفى عام ووضعت طفلتى، وخفق قلبي لها بشدة فور رؤية وجهها الرقيق وملامحها البريئة، وفكرت في الاحتفاظ بها، غير أنني تذكرت الواقع الأليم والمستقبل البائس الذي ينتظرها.. حملتها بعد ساعتين فقط من ولادتها وألقيتها في الشارع وبقيت بالقرب منها في انتظار أن يلتقطها أحد ليرعاها”.

توقفت “فاطمة” فجأة عن الكلام وانخرطت في بكاء مرير وبعد أن هدأت قليلا أكملت اعترافاتها: “كانت صرخاتها الواهنة كالطعنات في جسدى ولم أشعر بدموعى وهى تنساب غزيرة على وجهى.. مرت الدقائق والساعات ولم يلتفت أحد إلى الطفلة، التي وهنت صرخاتها رويدا رويدا إلى أن تلاشت تماما وفارقت الحياة.. أخيرا شاهدها أحد الأشخاص واقترب منها وصاح “عيل ميت”.. زلزلتنى الكلمة الأخيرة وأسرعت إليها محاولة لمسها وظهرت علىّ علامات التأثر الشديد.. تجمع الناس حولى واتهمونى بالتخلص من الرضيعة بالقتل وسلمونى إلى قسم شرطة الساحل وهناك اعترفت بكافة التفاصيل”.. بعد انتهاء المتهمة من اعترافاتها أمام نيابة الساحل، أمرت بحبسها على ذمة التحقيق، وصرحت بدفن جثة الرضيعة.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية